الولايات المتحدة وإسرائيل على شفا الحرب مع إيران. وفي حين صرحت إدارة بايدن علناً أنها لا تريد 'التصعيد'، لكنها أوضحت أنها ستدعم إسرائيل بغض النظر عما يفعله نتنياهو. تقريباً كل قنبلة ألقيت على غزة ولبنان كانت مصنوعة في الولايات المتحدة وتم منحها مجاناً لإسرائيل من قبل إدارة بايدن/ هاريس.
بالنسبة لنتنياهو، الذي يواجه العديد من لوائح الاتهام الجنائية فور مغادرته منصبه، تمثل هذه اللحظة فرصة لتحقيق الطموحات البشعة التي طال أمدها للطبقة الحاكمة الإسرائيلية وهو تدمير النظام الإيراني من خلال الحرب. وكما حذرت صحيفة فايننشال تايمز في نهاية الأسبوع الماضي، فإن 'فرص قيام إسرائيل بمحاولة للإطاحة بالنظام الإيراني لا يمكن استبعادها بالكامل'. وأشارت الصحيفة إلى أن نتنياهو أعلن الأسبوع الماضي أنه “عندما تتحرر إيران في نهاية المطاف، وستأتي تلك اللحظة في وقت أقرب بكثير مما يعتقد الناس، سيكون كل شيء مختلف'.
وقد أعرب جناح ترامب من الطبقة الحاكمة الأمريكية عن دعمه الكامل لمثل هذه الحرب. كتب جاريد كوشنر، صهر ترامب والمستشار السابق للشرق الأوسط، منشوراً طويلاً على موقع X دعا فيه إسرائيل والولايات المتحدة إلى إسقاط النظام الإيراني. وقال: وقد أعرب جناح ترامب من الطبقة الحاكمة الأمريكية عن دعمه الكامل لمثل هذه الحرب. كتب جاريد كوشنر، صهر ترامب والمستشار السابق للشرق الأوسط، منشوراً طويلاً على موقع X دعا فيه إسرائيل والولايات المتحدة إلى إسقاط النظام الإيراني. وقال: 'إيران الآن مكشوفة بالكامل. … إن الفشل في الاستفادة الكاملة من هذه الفرصة لتحييد التهديد هو أمر غير مسؤول. '
وعلى الرغم من أن قطاعات أخرى من الطبقة الحاكمة أعربت عن مخاوفها بشأن الوضع المتصاعد، فإن منطق موقفها، الدعم غير المشروط لتصرفات إسرائيل، يضعها على نفس الطريق نحو الحرب مع إيران. قد يكون لدى الديمقراطيين خلافات تكتيكية مع ترامب حول كيفية الإطاحة بالنظام الإيراني، لكن كلاهما يسيل لعابهما من احتمال القيام بذلك.
إن إزالة النظام الإيراني، رغم كونها غاية جيوسياسية في حد ذاتها للإمبريالية الأمريكية، إلا أنها تشكل أيضاً نقطة انطلاق حاسمة في مواجهتها الاقتصادية والعسكرية مع خصمها الرئيسي: الصين. إن كافة فصائل الطبقة الحاكمة الأمريكية تدعم إسرائيل دون قيد أو شرط لأنها تعلم أن السيطرة على الشرق الأوسط الغني بالموارد، وإنهاء سلطة آية الله، سيزيد بشكل كبير من قوتها ومرونتها في الحرب مع الصين.
أهمية الهيدروكربونات الإيرانية
إيران دولة كبيرة، تعادل مساحة إسبانيا وأوكرانيا وفرنسا مجتمعة تقريبًا. ويعيش هناك تسعة وثمانون مليون شخص. ومقارنة بالعراق، جارتها، التي غزتها الولايات المتحدة في عام 2003، فإن عدد سكان إيران يبلغ أربعة أضعاف عدد سكان العراق تقريباً، كما تمتلك جيش واقتصاد أكثر تطوراً بكثير.
امتلكت إيران تاريخ طويل من القهر الاستعماري، بما في ذلك السيطرة البريطانية على صناعة النفط في النصف الأول من القرن العشرين، وانقلاب وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات البريطانية عام 1953 لمنع تأميم صناعة النفط، وعدة عقود من الحكم الدموي للشاه المدعوم من قبل الولايات المتحدة.
يعلم الجميع أن ثروة إيران تأتي في المقام الأول من نفطها. وتنتج إيران ما يزيد قليلاً عن 3 ملايين برميل من النفط يومياً، أي حوالي 3% من الإجمالي العالمي. لكن ما ليس مفهوما جيدا هو إمكانية توسع إنتاج النفط الإيراني. ولا تملك سوى ثلاث دول أخرى في العالم احتياطيات أكبر من النفط المسوق تجارياً (المملكة العربية السعودية وروسيا والعراق). وبالإضافة إلى ذلك، تمتلك إيران ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا.
يظل النفط والغاز الطبيعي حجر الأساس النشط للاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز الطاقات البديلة الجديدة، فإن 'انتقال الطاقة' في ظل الرأسمالية يظل شأناً فاتراً ومتناقضاً. لا يتمثل الشغل الشاغل للولايات المتحدة وأوروبا فيما يتعلق باستثماراتهما في المركبات الكهربائية والمعادن المهمة في وقف الانحباس الحراري العالمي، بل في ضمان تفوقهما الاقتصادي والجيوسياسي على الصين، التي تفوقت في هذا المجال. يأتي 57% من طاقة العالم من النفط والغاز، و27% أخرى من الفحم، و1% فقط من الطاقة الشمسية، وهو رقم قياسي.
ونظراً للتفوق الدائم للنفط والغاز، فإن البلدان التي تمتلك احتياطيات كبيرة ورخيصة من هذه السلعة تظل تشكل ضرورة أساسية للحسابات الجيوسياسية. ومن اللافت للنظر أن روسيا والعراق وإيران، بعد المملكة العربية السعودية، هي أكبر الدول التي تمتلك احتياطيات النفط الرخيصة في العالم. وكانت كل دولة من هذه الدول هدفاً رئيسياً للإمبريالية الأمريكية على مدى ربع القرن الماضي. لقد غزت الولايات المتحدة العراق وهي الآن على شفا الحرب مع كل من روسيا وإيران، ثاني وثالث أكبر الدول التي تمتلك احتياطيات النفط والغاز.
علاوة على ذلك، فإن لدى كل واحدة من هذه الدول، ويرجع ذلك جزئياً إلى تعرضها للضغط والتهميش بسبب العقوبات الاقتصادية، صناعة نفط متخلفة نسبياً، محرومة من التدفقات الحيوية لرأس المال والتكنولوجيا المتقدمة اللازمة للإنتاج. ويتجلى هذا في حالة العراق، حيث قامت شركات النفط الأميركية والأوروبية، بعد الغزو الأميركي الهمجي، بزيادة إنتاجها بشكل كبير، فرفعت الإنتاج من مليوني برميل إلى ما يقرب من خمسة ملايين برميل يومياً اليوم.
دور الطفرة النفطية الأمريكية في الإستراتيجية الإمبريالية
ولو كان الهجوم الأميركي الإسرائيلي الحالي قد حدث قبل عشرة أو خمسة عشر عاماً، لكان تأثيره على الأسواق العالمية أسوأ كثيراً. ففي الأيام القليلة الماضية، ارتفعت أسعار النفط بنحو 10%، وهي أكبر زيادة خلال عامين منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا. ومع ذلك، فإن التحول الجذري في أسواق النفط والغاز العالمية قد خفف من تأثير هذا الارتفاع.
وفي السنوات الخمس عشرة الماضية، شهدت الولايات المتحدة أكبر طفرة في مجال النفط والغاز في تاريخ العالم من خلال التكسير الهيدروليكي. سمحت هذه الطريقة للولايات المتحدة برفع إنتاجها من قرابة 5 ملايين برميل يومياً إلى أكثر من 13 مليون برميل يومياً. ويمثل هذا حوالي 15% من إمدادات النفط العالمية وهو المصدر الرئيسي الوحيد لنمو العرض على المستوى الدولي خلال هذا الوقت.
إن الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة اليوم في وضع مختلف تماماً فيما يتعلق بالسيطرة على إنتاج النفط والغاز العالمي عما كانت عليه عندما خططت لغزو العراق في أواخر العقد الأخير من القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين. فمن خلال قدرتها على التحكم في ارتفاع أسعار النف والغاز من خلال التكسير الهيدروليكي، تمكنت الإمبريالية الأمريكية من تحمل خسارة النفط من ليبيا وروسيا وإيران في السوق العالمية، مما سمح للولايات المتحدة وحلفائها في الناتو بالضغط على هذه البلدان ووضع خطط أكثر صرامة لإسقاط أنظمتهم. (في حالة ليبيا، خطة 'ناجحة' أدت إلى حالة دائمة من حرب أهلية).
إلا أن طفرة النفط في الولايات المتحدة لن تدوم إلى الأبد. وتمنحها التقديرات السخية عشر سنوات أخرى، وبعد ذلك سوف ينهار القطاع النفطي الأمريكي بشدة.
في كتابه النقدي 'الإمبريالية: أعلى مراحل الرأسمالية' الذي وضعه عام 1916، أوضح لينين أهمية بقاء الإمبريالية متقدمة بخطوة عن احتياجاتها الحالية. وكتب:
كلما تطورت الرأسمالية، اشتدت الحاجة إلى المواد الخام، وأصبحت المنافسة أكثر مرارة، وكلما ازدادت حمى البحث عن المواد الخام في جميع أنحاء العالم، أصبح الصراع من أجل الحصول على المستعمرات أكثر يأساً.
إلى هذا، يمكن للمرء أن يضيف أن الموارد تستنزف أيضاً، ومع استنفادها، تشتد حدة 'المطاردة المحمومة' هذه.
أين هي الإمدادات المستقبلية من النفط والغاز الطبيعي، التي تشكل أهمية بالغة للاقتصاد العالمي، التي ستستمر مع نضوب المصادر الأخرى، مثل التكسير الهيدروليكي في الولايات المتحدة؟ هي في الشرق الأوسط وروسيا، حيث تعد إيران وروسيا والعراق والمملكة العربية السعودية من أهم المصادر المستقبلية.
الصين والولايات المتحدة
من المهم التأكيد على أن المحرك الرئيسي للإمبريالية الأمريكية هو الاصطدام العسكري والاقتصادي المتزايد مع التنمية في الصين. تعارض الولايات المتحدة وحلفاؤها بشكل أساسي منح الرأسمالية الصينية 'مقعداً على الطاولة' بين الدول الرأسمالية الأكثر تقدماً.
فعلى مدى عدة عقود، كانت الصين بمنزلة منصة للسلع الرخيصة للشركات الكبرى في العالم. ولكن نظراً لتنميتها الداخلية، و لا سيما في مجال التعليم وعمليات التصنيع الأكثر تقدماً، فقد أنشأت الصين الآن صناعات خاضعة للرقابة المحلية شكلت تحدياً خطيراً للشركات الأميركية والأوروبية.
ويتجلى هذا بشكل أكثر وضوحاً في عالم السيارات، إذ شهدت السيارات الكهربائية الصينية، المتقدمة والأرخص من تلك الموجودة في الولايات المتحدة، نمواً سريعا. وفي غضون سنوات قليلة فقط، تحولت صادرات الصين من السيارات من كونها جزء صغير من صادرات اليابان والولايات المتحدة وألمانيا إلى تجاوزها جميعها الآن.
وبعد أن تخلت الولايات المتحدة وحلفاؤها تماماً عن خطاب 'التجارة الحرة' السابق، فإنها تسعى إلى منع الشركات الصينية من لعب دور رئيسي في الاقتصاد العالمي بأي ثمن. وفي مواجهة تناقضاتها الاقتصادية والاجتماعية العميقة، تسعى الولايات المتحدة إلى استخدام قوتها العسكرية والمالية التي لا تزال مهيمنة لتقويض النهضة الاقتصادية للصين.
إن السبب الرئيسي للسيطرة على الموارد الجيواستراتيجية مثل النفط والمعادن ليس مجرد الاستفادة منها، بل الضغط على الدول من خلال حرمانها من الوصول إلى هذه الإمدادات الحيوية من الطاقة والموارد.
من جانبها، تمتلك الصين الكثير من عمليات معالجة المعادن المهمة في العالم داخل البلاد، مما شكل مشكلة لخطط الحرب الإمبريالية الأمريكية. ومع ذلك، في حين تتمتع الصين بميزة نسبية في المعادن والبطاريات الحيوية، فإن الولايات المتحدة تتمتع بالميزة في النفط والغاز، على الأقل خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة.
أشارت دراسة أجرتها مؤسسة راند حول كيفية فوز الولايات المتحدة في حربها ضد الصين، إلى أنه 'إذا كانت الصين عرضة لنقص حاد في حرب مع الولايات المتحدة، فقد يكون ذلك ... في إمدادات النفط، التي تستورد منها حوالي 60 بالمئة ولديها احتياطي استراتيجي معلن لمدة عشرة أيام فقط.' في الواقع، من المحتمل أن يكون أحد الأسباب الرئيسية وراء سرعة الصين في ريادة تكنولوجيا السيارات الكهربائية هو وعي الطبقة الحاكمة بهذا الضعف الخطير.
وتقريباً كل واردات الصين من النفط تأتي من الشرق الأوسط. والآن بعد أن توقف تدفق النفط إلى الولايات المتحدة، بسبب طفرة التكسير الهيدروليكي، ترسل المملكة العربية السعودية وإيران وروسيا والعراق والإمارات العربية المتحدة نفطها شرقاً إلى الصين. تستورد الصين كمية مذهلة تبلغ 11.4 مليون برميل يوميا من النفط، مما يجعلها أكبر مستورد للنفط في العالم. والصين هي أكبر متلق للنفط الإيراني.
النفط والحرب العالمية الثالثة
يجب أخذ الوضع الجيوسياسي ككل:
• تتمتع الولايات المتحدة حالياً بالسيطرة على أسواق النفط والغاز العالمية أكثر من أي دولة أخرى.
• ومع ذلك، فإن هذا المستوى من الهيمنة لديه فترة محدودة تبلغ حوالي خمس إلى 10 سنوات قبل أن تتآكل السيطرة بشكل كبير بسبب الانخفاض النهائي في التكسير الهيدروليكي.
• تخطط الولايات المتحدة، المهددة اقتصادياً، لمواجهة عسكرية مع الصين تتمحور حول تايوان.
• تعتبر الصين معرضة للخطر استراتيجياً عندما يتعلق الأمر بالنفط، حيث تعتمد على التدفقات اليومية الهائلة من النفط من الشرق الأوسط. أكبر شريك لتصدير النفط الإيراني هو الصين.
• سوف يشكل الشرق الأوسط وروسيا، في الأمد البعيد، المصدرين الرئيسيين لما تبقى من النفط والغاز على مستوى العالم. تعد إيران واحدة من أكبر مصادر احتياطيات النفط والغاز غير المستغلة.
وبجمع هذه المكونات معاً، فمن الواضح أن النفط والغاز الإيراني لهما أهمية كبيرة للولايات المتحدة وشركائها. وبينما تدخل عوامل أخرى كثيرة في الاعتبار بشأن الحرب، فليس من قبيل المصادفة أن الأهداف الرئيسية للإمبريالية الأمريكية هي الدول الأكثر ثراءً بالموارد في العالم.
وتعكس تهديدات نتنياهو بأن إيران 'ستتحرر قريباً' حقيقة مفادها أن إسرائيل، التي تتصرف ككلب هجوم أميركي، حصلت على شيك على بياض لإعادة هيكلة الشرق الأوسط. و لدى الطبقة الحاكمة الإسرائيلية مجموعة متميزة من المصالح، لكن آلة الحرب الإسرائيلية يتم تمويلها وتسليحها وتحركها في نهاية المطاف من خلال المصالح الجيواستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
هذا هو المنطق الجيوستراتيجي البارد الذي يكمن وراء الحرب الأميركية الإسرائيلية ضد إيران ووكلائها في الشرق الأوسط. وتسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز وتعميق قبضتها على هذه المنطقة الحيوية بينما تستعد لحرب محتملة ضد الصين.
بالنسبة لأولئك الذين يشعرون بالاشمئزاز من هيجان إسرائيل في المنطقة والدور المنافق الملطخ بالدماء الذي تلعبه الولايات المتحدة، فمن الضروري أن يفهموا أن هذه الحرب ليست 'خياراً سياسياً'. إن الرأسمالية، في سعيها القومي لتحقيق الأرباح بأي ثمن، تدفع الإمبريالية الأمريكية نحو صراع يهدد حياة المليارات من البشر. على الرغم من عدم عقلانيتها وخطورتها، فإن الطبقة الحاكمة الأمريكية لا ترى أي مخرج آخر لدوامة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتفاقمة.