هذه نسخة منقحة من محاضرة ألقيت مباشرة في 25 مارس.
وصف لينين أحداث 1905 بأنها 'بروفة' لعام 1917. ووصفها تروتسكي، من بين أمور أخرى، بأنها 'مقدمة رائعة'، وقد كانت كذلك بالفعل. هناك مقالة أعاد موقع الاشتراكية العالمية نشرها قبل أيام قليلة، كرر فيها تروتسكي هذه الفكرة و قال إن العمال يجب أن يدرسوا ويتعلموا من عام 1905
حُكمت الإمبراطورية الروسية في عام 1905 من قبل القيصر نيكولاس الثاني، الذي كان طاغية مطلق. لقد حكم بالمراسيم، مستنداً على طبقة من النبلاء والبيروقراطيين لإدارة آلة الدولة الهائلة. كما حكم القيصر جيشاً ضخماً استهلك جزءاً كبيراً من الثروة الوطنية.
لم تكن هناك حرية تعبير في روسيا في ذلك الوقت. لم تكن هناك حرية للصحافة، وكانت هناك بالفعل رقابة صارمة. لم يكن هناك حق في التجمع، ولا حتى الحق في تقديم التماس إلى القيصر. كان من غير القانوني حتى تقديم التماس إلى القيصر، ولم يُسمح إلا لعدد قليل من النبلاء في وزاراته بالقيام بذلك. لم يكن هناك حق في الإضراب؛ لا يحق لأحد تشكيل نقابة. لم يكن هناك برلمان. لا حق في التصويت؛ لا يوجد 8 ساعات في اليوم. في الواقع، في نهاية القرن التاسع عشر، كان يوم العمل النموذجي لمعظم العمال حوالي 14 ساعة، أو 12 ساعة إذا كنت محظوظاً. في عام 1897، خفض القيصر بسخاء يوم العمل إلى 11 ساعة ونصف، على الرغم من أن هذا لم يتم ملاحظته في العديد من المصانع. سيتم تغريم العمال لأدنى المخالفات. إذا تأخروا عن العمل لمدة 15 دقيقة، فسيتم تغريمهم بأجر يوم واحد. وإذا كانت هناك أخطاء في الإنتاج، فسيتم تغريمهم أكثر. وكانت أجورهم من بين أدنى الأجور في أوروبا.
لم تكن الإمبراطورية الروسية كلها روسية. في الواقع، شكل الروس، وهم أشخاص من العرق الروسي، قرابة 50% من شعب الإمبراطورية. شملت مسألة الجنسية، في العصر الحديث، ما وصل إلى 150 جنسية يمكن تحديدها. بعض من أكبر منها معروفة ومفهومة بشكل أفضل. لذلك، على سبيل المثال، كان هناك بولنديون في الإمبراطورية الروسية إذ قُسمت بولندا في نهاية القرن الثامن عشر. واجه البولنديون الترويس في ظل الحكم القيصري: فقد أُجبروا على عدم دراسة اللغة البولندية في مدارسهم، بل دراسة اللغة الروسية. وانطبق الشيء نفسه على الفنلنديين، إذ كانت فنلندا جزءاً من الإمبراطورية. وينطبق الشيء نفسه على السكان اليهود، الذين كانوا من بين الفئات الأكثر تعرضاً للاضطهاد من بين جميع المكونات في الإمبراطورية الروسية في ذلك الوقت.
كان السكان اليهود، الذين يبلغ عددهم حوالي 5 ملايين نسمة، مقيدين فيما يتعلق بالمكان الذي يمكنهم العيش فيه، في منطقة استيطان. مُنعوا من ممارسة العديد من المهن. كانت هناك حصص للدخول إلى الجامعات. وبطبيعة الحال، لم يكن لهم حق التصويت. وبعد عام 1881، عندما اغتيل القيصر السابق (الإسكندر الثاني)، كانت هناك موجات من المذابح ضد السكان اليهود. قد يُنفذ المذبحة عصابة مسلحة من البلطجية، عملت بشكل أساسي إما بشكل متعمد ومباشر تحت إشراف الشرطة، أو على الأقل، عندما تنظر الشرطة في الاتجاه الآخر تراهم يقتحمون الأحياء اليهودية، ويقتلون الناس، ويعذبون الناس، وينهبون منازلهم، ويحطمون أعمالهم، وما إلى ذلك، ويخرجون دون أن يمسهم أحد. وقعت اثنتان من المذابح الأكثر شهرة قبل ثورة 1905 في كيشينيف، الموجودة الآن في مولدوفا.
كانت روسيا إلى حد كبير دولة فلاحية. وكان معظم الفلاحين أميين وفقراء. عاشوا في 500000 قرية ونجوع متفرقة. وصف تروتسكي ' تجزؤ ' الفلاحين، وكيف شكل ذلك مشكلة سياسية هائلة: كيف يمكن توحيد الناس المنتشرين في جميع أنحاء هذا البلد الشاسع؟
ما كان الفلاحون موحدين في بنيتهم الاجتماعية. كان هناك فلاحون أثرياء للغاية. في الواقع، كان هناك أولئك الذين كانوا من كبار ملاك الأراضي، وغالباً ما كانوا قريبين من الطبقة الرأسمالية. وكان هناك فلاحون فقراء للغاية لا يملكون شيئاً على الإطلاق، وكانوا يشبهون فعلياً العمال الزراعيين. كان عليهم أن يبيعوا عملهم المأجور للرأسماليين أو غيرهم من المزارعين الأكثر ثراء. سيطر حوالي 60.000 من كبار ملاك الأراضي على ما قارب 100 مليون فلاح، لذلك يمكنك أن ترى أنه كانت هناك طبقة رقيقة نسبياً من ملاك الأراضي الأثرياء للغاية، وغالباً ما كانوا من النبلاء. مر النبلاء بأوقات عصيبة في نهاية القرن التاسع عشر وبدأوا ببيع أراضيهم للبرجوازية، مما تسبب في الكثير من الاحتكاك الاجتماعي. لكنهم مع ذلك كانوا أكثر ثراءً من الغالبية العظمى من الفلاحين.
في عام 1861، حُرر الأقنان، الذين لم يكونوا متطابقين مع العبيد، ولكنهم متشابهون جداً معهم، لكن هذا التحرر كان محدوداً للغاية في الشكل. وأدى ذلك إلى عبء الديون الشديد. استغرق الأمر في كثير من الحالات 48 عاماً حتى تمكن الفلاحون، الفلاحون 'المتحررون'، من سداد ديونهم. لقد واجهوا ضرائب باهظة وعاشوا في الأساس في بؤس. أرادوا بشدة إعادة توزيع الأراضي والإعفاء من الديون.
بدأت الصناعة بالنمو بسرعة كبيرة في نهاية القرن التاسع عشر. ومولت إلى حد كبير عن طريق القروض الأجنبية، ولا سيما من بريطانيا وفرنسا، وبدرجة أقل من ألمانيا. وأدى ذلك إلى الظاهرة التي أطلق عليها تروتسكي 'التطور المشترك غير المتكافئ'. على الرغم من أن روسيا تخلفت كثيراً عن الدول الأكثر تقدماً في الغرب، فإنه إذا أراد رأسمالي بريطاني أو فرنسي الاستثمار في روسيا، وهو ما فعلوه، فإنه سيستورد رأس المال وأحدث التقنيات، وأكبر المصانع، وأحدث الآلات الصناعية، وما إلى ذلك. وعلى هذا فقد قفزت روسيا عبر عدة مراحل متوسطة من التطور مرت بها بلدان أخرى. وأدى ذلك إلى تركز كبير للعمال في المصانع التي توظف أكثر من ألف عامل (أكثر مما كانت عليه في الولايات المتحدة، التي كانت في ذلك الوقت النموذج الأكثر تقدماً لبناء هذا النوع من المصانع). وهكذا كانت هناك طبقة بروليتاريا شابة، قادمة من الريف، عملت في المنسوجات، وصناعة التعدين، ، والتبغ، وما إلى ذلك. و دُفعت إلى المراكز الصناعية، عادة في ضواحي المدن. ولم تنم هذه المصانع بشكل طبيعي داخل المدن الداخلية.
أنتج 3 إلى 5 ملايين عامل في المراكز الصناعية الكبيرة في بطرسبرغ وموسكو وإيفانوفو وكييف ومدن أخرى نصف الدخل القومي، أي ما يعادل القطاع الزراعي بأكمله. لذلك، على الرغم من صغر عددها، كان الدور الذي لعبته البروليتاريا في الاقتصاد الروسي هائلاً. كان وزنها الاجتماعي والاقتصادي النسبي هائلاً.
افتُتح أول خط سكة حديد بين موسكو وبطرسبورغ في عام 1851. وخلافاً لذلك، فإن ما كان سائداً هو ما أسماه تروتسكي 'انعدام الطرق من حيث الأساس '. كانت الطرق في روسيا فظيعة. في الربيع أو الخريف خلال موسم الأمطار، أو عندما تذوب الثلوج، كانت غير سالكة. كان الطين ليصل فعلياً إلى خصرك، ولا يمكنك التحرك بصعوبة. لذلك كانت السكك الحديدية هي الرابط الرئيسي بين المدن والمراكز الصناعية.
في عام 1905، عام الثورة، بلغ عدد العاملين في السكك الحديدية الذين لعبوا مثل هذا الدور السياسي البالغ الأهمية حوالي 667 ألف عامل. هذا جيش من البروليتاريين، وكما سنرى لاحقا، فهم لعبوا دوراً حاسماً.
كان هناك بعض الليبراليين، في كثير من الأحيان فيما سُمي زيمستفوس، والتي كانت أشكالًا من الحكم المحلي في المناطق الريفية ، مسؤولة إلى حد كبير عن الطرق والتعليم والرعاية الطبية، ولكن ليس الكثير غير ذلك. لم يكن لديهم الكثير من السلطة السياسية، ولم يكن لديهم أعداد كبيرة. بشكل عام، كان الليبراليون البرجوازيون الصغار في المدن بدورهم محدودي العدد، وكان تأثيرهم السياسي محدوداً.
كان الكثيرون يتوقعون ثورة الإطاحة بالقيصر وإنشاء جمهورية برجوازية. ومع ذلك، بدت أحلام الاشتراكية بعيدة، خاصة عند مقارنتها بالدول الأكثر تقدمًا اقتصاديًا في أوروبا الغربية.
ومع ذلك، تُرجم كتاب ماركس (رأس المال) إلى اللغة الروسية في عام 1872 (كانت واحدة من أولى الترجمات على الإطلاق). لقد أفلتت من قبل أجهزة الرقابة القيصرية لأنها بدت لهم بمثابة خلاصة جافة للإحصاءات الاقتصادية.
سعت الحركة الشعبوية، التي هيمنت حتى العقد الثامن من القرن التاسع عشرإلى تقديم الاشتراكية على أساس كومونة الفلاحين، والملكية الجماعية في الريف، وربما تجاوزت التطور الرأسمالي تماماً. حتى أنهم كتبوا إلى ماركس في عام 1881، يسألونه: 'ماذا يمكننا أن نتوقع في روسيا؟ هل هناك أساس مشروع للأمل في الاشتراكية على أساس الكومونة الفلاحية؟
تشكلت أول مجموعة ماركسية روسية في عام 1883، في جنيف، على يد ستة ثوريين في المنفى، بقيادة جورجي بليخانوف (وسط الصورة). وقد شارك في ترجمات مهمة، وكتب أعمالاً روجت لماركس، وشارك في الأممية الثانية في أوروبا، التي تأسست عام 1889. قال بليخانوف في ذلك العام عبارته الشهيرة: 'سوف تنتصر الحركة الثورية في روسيا كحركة عمالية أو لا تنتصر على الإطلاق.' [1]إن الإدلاء بهذا التصريح حول الطبقة العاملة التي تتضاءل أعدادها أمام عدد كبير من الفلاحين بدا أقرب إلى العبث بالنسبة للعديد من منتقديه.
كانت هناك بعض المجموعات العمالية الصغيرة التي تشكلت في العقدين الثامن و التاسع من القرن التاسع عشر (رابطة الشمال، الرابطة الجنوبية).
ومع ذلك، جاءت الخطوة الكبيرة التالية مع تشكيل 'اتحاد النضال من أجل تحرير الطبقة العاملة' في عام 1895، في بطرسبورغ. وكان اثنان من أعضائها البارزين هما فلاديمير أوليانوف (الذي عُرف فيما بعد باسم لينين، زعيم الحزب البلشفي) ويولي مارتوف، الذي أصبح فيما بعد منشفياً بارزاً.
كان لإضراب عمال النسيج في بطرسبورغ، عاصمة الإمبراطورية الروسية، في الفترة من مايو إلى يونيو 1896، تأثير كبير على تطور اتحاد النضال. وبعد تشكيل اتحاد النضال مباشرة، اندلعت موجة من إضرابات عمال النسيج. كان إضراباً عاماً تقريباً لعمال النسيج واحداً من أكبر الإضرابات التي أعطت دفعة كبيرة لتطور الحركة العمالية في روسيا.
لم يكن الأمر مجرد ظاهرة في بطرسبورغ؛ إذ تميزت مدن مختلفة بنقاط سوداء، حيث كان لاتحاد النضال أعضاء واتصالات، وكان يوزع الأدبيات والمنشورات، وقام بعمل متسق. أحد المواضيع التي أريد أن أتناولها هو: 'من نظم الطبقة العاملة؟ كيف وصلت الطبقة العاملة إلى الثورة؟' إن العمل الذي تم إنجازه هنا، في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، والعمل الذي قام به بليخانوف منذ عام 1883 فصاعداً، والعمل الذي قام به الثوريون في المدن الكبرى، كان عنصراً لا غنى عنه على الإطلاق في قيادة الثورة.
علينا أن نضع في اعتبارنا أن كل هذا النشاط كان غير قانوني. لا يمكنك عقد اجتماع عام. إذا أردت الاحتفال بعيد العمال، وكان ذلك إحدى المناسبات السنوية، فعليك أن تجتمع، ربما في بستان في غابة، أو ربما على ضفاف نهر. لا يمكنك استئجار قاعة، ربما يمكنك العثور على مستودع فارغ. كانت الشرطة في كل مكان. وكان الجواسيس في كل مكان. إذا بدأت في التحدث، فقد يكون لديك من 10 إلى 15 دقيقة قبل أن ينقض القوزاق، و تنقض الشرطة. غالبًا ما تم إطلاق النار على الناس .أ يمكن أن يتم القبض عليك. إذا كنت عاملاً في أحد المصانع، فقد تفقد وظيفتك. كان العمل الذي قام به هؤلاء الثوريون الأوائل غير قانوني على الإطلاق في ذلك الوقت. وكان لينين اعتقل بالفعل في عام 1895، في ديسمبر. وعندما يُلقى القبض عليك، كانت الشرطة السرية (أوخرانا) تفتح ملفاً، وتلتقط صورة، وتحتفظ بهذا الملف لأطول فترة ممكنة.
عُقد في عام 1898، المؤتمر التأسيسي لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي (RSDRP) في مينسك. كان عدد المندوبين تسعة، وفي غضون أيام قُبض عليهم جميعاً.
في ديسمبر 1900، تأسست صحيفة الإيسكرا (الشرارة) الاشتراكية الديمقراطية في الخارج وتم تهريبها بشكل غير قانوني إلى روسيا للمساعدة في بناء حزب الطبقة العاملة على مستوى البلاد. ولم يكن هذا بالأمر الهين. لقد كانت طباعتها في ميونيخ أو إحدى المدن الكبرى في أوروبا، ومن ثم تهريبها بأعداد كبيرة إلى روسيا، وكانت مهمة صعبة للغاية. لقد كان الأمر معقداً بسبب حقيقة أن الشرطة السرية كانت موجودة في كل مكان. لقد اخترقوا الحركة الاشتراكية الديمقراطية. في الواقع، كان الشخص المسؤول عن تهريب إسكرا إلى روسيا لبضع سنوات هو نفسه عميل شرطة. كان يعرف إلى أين يتجه كل شيء، وكان يعرف كل العناوين، وكان يعرف كل جهات الاتصال، وقام بتنظيم عملية إحضار الورق.
على الرغم من أنه نُظر إلى روسيا على إنها معقل للرجعية طوال القرن التاسع عشر، إلا أن أحد الماركسيين الأكثر إدراكاً في أوروبا، وهو كارل كاوتسكي، طرح في عام 1902 أن شيئاً جديداً كان ينشأ في هذه الإمبراطورية الشاسعة. وكتب آنذاك: 'بعد أن استوعبت الكثير من المبادرات الثورية من الغرب، ربما تكون روسيا نفسها الآن مستعدة لخدمة الغرب كمصدر للطاقة الثورية'. [2]
عُقد المؤتمر الثاني لحزب RSDRP في بروكسل ولندن (لم يكن من الممكن عقده بشكل قانوني في روسيا) في يوليو وأغسطس 1903. وفي هذا المؤتمر، حدث انقسام في الحزب حيث كان الفصيلين الرئيسيين فيه هما البلاشفة والمناشفة. بالنسبة للعديد من أعضاء الحزب، نُظر إلى الانقسام على أنه مؤقت، ولم تكن أسبابه واضحة تماماً. فقد شعر تروتسكي، على سبيل المثال، إنه في نهاية المطاف يمكن التغلب على الخلافات السياسية وإعادة توحيد الحزب.
نظر تروتسكي إلى المؤتمر الثاني في وصفه للأجواء السائدة في روسيا عشية عام 1905. وتذكر إضراب روستوف الشهير في نوفمبر 1902 وأيام يوليو 1903 التي امتدت على كامل الجنوب الصناعي وتوقعت جميع الإجراءات المستقبلية للبروليتاريا.
حتى في وقت انعقاد مؤتمر الحزب، كان الجزء الجنوبي بأكمله من روسيا في خضم إضراب كبير. نمت اضطرابات الفلاحين بشكل متزايد. وكانت الجامعات تغلي. لفترة قصيرة، أوقفت الحرب الروسية اليابانية الحركة، لكن هزيمة القيصرية العسكرية قدمت على الفور رافعة هائلة للثورة. أصبحت الصحافة أكثر جرأة، والأعمال الإرهابية أكثر تواتراً؛ بدأ الليبراليون يستيقظون وأطلقوا حملة الولائم السياسية. وسرعان ما وصلت المسائل الأساسية للثورة إلى الواجهة. [3]
لن أتناول الإرهاب بأي شكل من الأشكال في هذه المحاضرة، لكنني سأذكر فقط، فيما يتعلق بإشارة تروتسكي إلى الإرهابيين: بين عامي 1893 و1917، الإرهابيون الذين خرجوا إلى حد كبير من الحركة الشعبوية القديمة مثل نارودنايا فوليا ) الإرادة الشعبية( والعديد منهم انضموا لاحقاً إلى الحزب الاشتراكي الثوري، قتلوا ما يقرب من 12000 مسؤول قيصري. قد تكون هذه اغتيالات ينفذها طالب، أو عامل شاب، يتقدم إلى حاكم، أو قائد شرطة، أو مسؤول رفيع المستوى، ويطلق عليهم الرصاص. وفي بعض الأحيان كانوا يلقون قنبلة ويفجرون الضحية وأنفسهم. لقد ضربوا بعض الشخصيات البارزة جداً. وفي عام 1904، قتلوا بليهفي، وزير الداخلية المسؤول عن جميع أنشطة الشرطة في روسيا. لقد تم تفجيره إلى أشلاء على يد شاب اشتراكي ثوري. اغتيل عم القيصر. نجت العديد من الشخصيات الأخرى من والمحاولات، مثل تريبوف. لكنهم عاشوا في خوف دائم من الاغتيال. لم يقبل الحزب البلشفي والمناشفة الإرهاب الفردي كتكتيك. ولم يشعروا أن ذلك سيسقط القيصر. اقتل أحد المسؤولين القيصريين، وسيستبدلونه بآخر، ربما أكثر شراسة. إلا أن هذه الظاهرة كانت منتشرة على نطاق واسع طوال الفترة التي نتعامل معها.
أشار تروتسكي أيضاً إلى الحرب الروسية اليابانية التي اندلعت في فبراير 1904. لقد بدأ عصر الحروب الإمبريالية على الأقل منذ الحرب الإسبانية الأمريكية (1898)، التي تضمنت الغزو الهمجي للفلبين من قبل الولايات المتحدة، و حرب البوير في جنوب أفريقيا (1899-1902)، حيث كانت بريطانيا العظمى المفترس الإمبريالي الرئيسي. لم ترغب الإمبراطورية الروسية باستبعادها من حروب النهب والتوسع الإقليمي الإمبريالية. وأظهرت صورة كيف نظر طالب ياباني شاب إلى الإمبراطورية الروسية في ذلك الوقت، باعتبارها أخطبوطاً كبيراً تشبثت مخالبه بعدد من البلدان. بولندا في أعلى اليسار. هناك مخالب في تركيا وبلاد فارس والتبت. أحدهما هو الوصول إلى الصين، الممثلة باللون الأخضر. اتجهت إحدى المجسات نحو كوريا، وربما حتى اليابان.
نظرًا لأن كل من روسيا واليابان كان لهما مخططات على منشوريا وكوريا والمزيد من اقتسام الصين (التي كانا يتنافسان فيها مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة)، أراد القيصر هزيمة اليابان في الحرب وتوقع غزوات سهلة.
كقاعدة انطلاق لهذه الخطط، استأجرت روسيا بورت آرثر قسراً من الصين في عام 1895، وحولتها إلى حصن منيع وقاعدة بحرية، مع خط سكة حديد يمر عبر هاربين، في شمال شرق الصين. لم يكن خط السكة الحديد العابر لسيبيريا قد اكتمل بعد، ولم يكن المرور عبر منشوريا مضموناً على الإطلاق.
ومع ذلك، شهدت الأيام الأولى للحرب خسائر كبيرة ألحقتها البحرية اليابانية بالأسطول الروسي. بعد حصار دام أكثر من 300 يوم، سقطت بورت آرثر في أيدي اليابانيين، ودُمر الجزء الأكبر من الأسطول الروسي في المحيط الهادئ في الميناء، ليس في معركة بحرية، بل عن طريق القصف من التلال المطلة على الميناء.
تسبب هذا الاستسلام الصادم لبورت آرثر باضطرابات كبيرة في روسيا. و نُظر إلى القيصر وقواته المسلحة على نحو متزايد على أنهم فاسدون وغير أكفاء. انتشر التحريض المناهض للحرب في صفوف الطبقة العاملة وحتى في بعض الدوائر الليبرالية.
بدت الخطوة التالية المؤدية إلى ثورة 1905 غير ضارة إلى حد ما. فُصل أربعة عمال من مصنع بوتيلوف، وهو مصنع حديد يقع على مشارف بطرسبورغ. عندما فشلت المفاوضات في الفوز بإعادتهم إلى وظائفهم، اندلع الإضراب في 3 يناير 1905.
وكما كتب فيودور دان، أحد كبار المناشفة: 'لم يكن أحد يتوقع أن هذا الإضراب، الذي وضع لنفسه في البداية هدفاً متواضعاً مثل إعادة أربعة عمال فصلتهم إدارة المصنع إلى وظائفهم، سوف يستمر في غضون أسبوع أو أكثر'. لذا، استولى العمال على العاصمة بأكملها، وتحولوا إلى حركة سياسية عملاقة لبروليتاريا بطرسبورغ'. [4]
في غضون أسبوع، وفي يوم الأحد 9 يناير، تم التخطيط لمظاهرة حاشدة، قاد فيها الكاهن، الأب جابون موكباً ضم 150.000 إلى 200.000 ملتمس، بما في ذلك العديد من العمال، والطلاب والنساء والأطفال لطلب الإغاثة من 'الأب القيصر'.
وتضمنت مطالبهم: يوم عمل مدته ثمان ساعات؛ حرية التجمع للعمال و إعطاءالأرض للفلاحين؛ حرية التعبير والصحافة؛ فصل الكنيسة عن الدولة؛ وقف الحرب. ودعوة الجمعية التأسيسية لوضع الأسس لجمهورية برلمانية جديدة.
ومع اقتراب الموكب من الساحة أمام قصر الشتاء، حيث أقام القيصر، ما كان في استقبالهم نيكولاس الثاني، بل وابل من إطلاق النار من قبل القوات القيصرية والشرطة. جاء الموكب من أماكن مختلفة في المدينة، لكنهم اجتمعوا جميعاً في ساحة القصر. ثم هوجم الحشد من قبل القوزاق، الذين قطعت سيوفهم العديد من الضحايا. أُطلقت النار على العديد من الأشخاص. ليس هناك إحصاء دقيق، لكن سقط قرابة 1000 قتيل و2000 جريح (وربما أكثر). و سُحبت العديد من الجثث بعيداً. وألقت بها الشرطة في مقابر جماعية. ولم يتم تحديد العدد الدقيق للضحايا. عُرف يوم 9 يناير منذ ذلك الحين باسم 'الأحد الدامي'.
ومع اقتراب الموكب من الساحة أمام قصر الشتاء، حيث أقام القيصر، لم يكن في استقبالهم نيكولاس الثاني، بل وابل من إطلاق النار من قبل القوات القيصرية والشرطة. جاء الموكب من العديد من الأماكن المختلفة في المدينة، لكنهم اجتمعوا جميعًا في ساحة القصر. ثم تم مهاجمة الحشد من قبل القوزاق، الذين قطعت سيوفهم العديد من الضحايا. تم إطلاق النار على العديد من الأشخاص. ليس هناك إحصاء دقيق، لكن نحو 1000 قتيل و2000 جريح (وربما أكثر). وتم سحب العديد من الجثث بعيداً. وألقت بها الشرطة في مقابر جماعية. ولم يتم تحديد العدد الدقيق للضحايا. أصبح يوم 9 يناير معروفاً من الآن فصاعداً باسم الأحد الدامي.
ولدت المذبحة موجات من الصدمة في جميع أنحاء روسيا. وأضرب العمال في العديد من المناطق الصناعية كما أغلق الطلاب العديد من الجامعات. كانت هناك موجة من المظاهرات والإضرابات الضخمة في جورجيا، وباكو، وأوديسا، وإيفانوفو-فوزنيسينسك، ولودز (في بولندا)، ونيجني نوفغورود، وسورموفو، وما إلى ذلك. بل وكانت هناك مظاهرات في بعض الوحدات العسكرية، وإن لم تكن على نطاق واسع، إلا أنها استمرت خلال ربيع وصيف وخريف عام 1905.
شجب بعض المثقفين البرجوازيين الليبراليين القيصر ووصفوه بالجزار. هذه الصورة لإحدى صحفهم، Osvobozhdenie، التي حررها ستروفه، الذي كان ماركسياً ضمن إطار القانون ولكنه تحول بعد ذلك إلى اليمين، ليصبح ليبرالياً برجوازياً. العنوان الرئيسي هو 'الثورة في روسيا'. المقال الرئيسي هو 'جلاد الشعب' الذي أدان القيصر باعتباره جزاراً، وتبعه مقال بقلم جان جوريس بعنوان 'موت القيصرية'. لقد عارض الليبراليون الحكم المطلق، لكنهم افتقروا إلى القوة السياسية أو الإرادة اللازمة لإسقاط القيصر.
وتراجعت الإضرابات الكبرى وتتالت خلال الأشهر التالية. كان هناك المئات، لكن واحداً على وجه الخصوص جدير بالملاحظة.
ففي إيفانوفو-فوزنيسينسك، وهي بلدة ضمت مصانع نسيج كبيرة وتقع على بعد حوالي 150 ميلاً من موسكو، شارك العمال في واحد من أطول الإضرابات، استمر أكثر من 100 يوم. وفي سياق الإضراب، الذي شارك فيه عشرات الآلاف من العمال، ظهر شكل جديد من التنظيم: تم انتخاب سوفييت أو مجلس من قبل العمال لقيادة الإضراب وتقديم جميع المطالب. وكانت معظم المطالب اقتصادية، ولكن كان هناك أيضاً دعوات للإطاحة بالقيصر، وعقد جمعية تأسيسية، ومطالب سياسية أخرى. نال عمال إيفانوفو فيما بعد شرف تشكيل أول سوفييت في روسيا، أول مجلس عمالي. وفي حين أن هذا صحيح من الناحية الفنية، فإن دور بطرسبرغ السوفيتية، التي تأسست في أكتوبر 1905، طغى عليها إلى حد كبير.
جرت مظاهرات حاشدة في أجزاء أخرى من الإمبراطورية، بما في ذلك لاتفيا في مايو 1905.
وفي خضم غارة إيفانوفو ، جاءت المزيد من الأخبار السيئة من جبهة الحرب. لا يزال القيصر يعتقد أن قواته البحرية يمكنها تدمير الأسطول الياباني. ومع ذلك، نظراً لتدمير معظم الأسطول الروسي في المحيط الهادئ، أُمر أسطول البلطيق في أكتوبر بالإبحار إلى بورت آرثر. وسافر في الفترة من أكتوبر إلى مايو، لمسافة إجمالية قدرها 33 ألف كيلومتر. وعلى طول الطريق، سمع أفراد الطاقم عن الكارثة العسكرية في معركة موكدين (فبراير-مارس 1905)، حيث خسر الجيش الروسي 90 ألف جندي. على الرغم من انخفاض الروح المعنوية على متن السفن، أبحرت السفن؛ وأُجبر الأدميرال Rozhdestvensky على شنق العديد من البحارة الذين حرضوا على التمرد من أجل العودة. كانوا علموا أنهم محكوم عليهم بالفشل إذا استمروا، لكن أمرهم الأدميرال بالمضي قُدُماً على أي حال وأُعدم العديد منهم.
منذ سقوط بورت آرثر، وجهتهم الأصلية، استهدفت السفن فلاديسفوستوك إلى الشمال. وعندما اقتربت من مضيق تسوشيما، وهي جزيرة قريبة من اليابان، قابلتهم البحرية اليابانية وأبادت الحملة. وخسر الروس ثماني بوارج والعديد من السفن الصغيرة وأكثر من 5000 بحار. نجت ثلاث سفن رئيسية فقط من أسطول بأكمله. ففي غضون ساعات قليلة من يومي 27 و28 مايو/أيار، دُمر الأسطول الروسي بالكامل. وبالمقابل، فقد اليابانيون ثلاثة زوارق طوربيد و116 رجلاً، الأمر الذي كان بمثابة صدمة كبيرة لقطاعات كبيرة من السكان في روسيا. كيف يمكن أن تحدث مثل هذه الكارثة؟
كتب تروتسكي منشوراً عن كارثة تسوشيما تم توزيعه في بطرسبورغ. وهنا مقتطفات منه:
فلتسقط المذبحة المشينة!
بعد المعركة قبالة جزيرة تسوشيما، لم يعد الأسطول الروسي قائماً. هلكت البوارج الروسية بشكل مخزٍ، وحملت معها إلى قاع المحيط الهادئ الآلاف من إخواننا الذين وقعوا ضحايا لجرائم القيصرية. ... الأسطول الروسي، الذي تم شراؤه بمثل هذه التكلفة الباهظة، لم يعد موجودا. كل سارية وكل صاعقة فيها هي دماء وعرق العمال. كل سفينة حربية هي عمل عائلات الفلاحين لسنوات عديدة. لقد رحلوا جميعاً، وغرقوا جميعاً في أعماق البحر: الرجال تعساء الطالع والثروات عديمة الفائدة التي خلقتها أيديهم...
فلتسقط المذبحة الوقحة! فلتجد هذه الدعوة، التي رفعها العمال ذوو الوعي السياسي في اليوم الأول للحرب، دعماً قوياً بين جميع العمال، بين جميع المواطنين الشرفاء.
فلتسقط الحكومة القيصرية مرتكبة هذه المذبحة المشينة!
ليسقط الجزارون الدمويون!
نحن نطالب بالسلام والحرية! [5]
الحدث التالي الذي استحوذ على اهتمام واسع النطاق كان التمرد على السفينة الحربية بوتيمكين في أوديسا في يونيو 1905، الذي خُلد في فيلم سيرجي آيزنشتاين عام 1925. طوال عام 1905، ظل معظم الجيش والبحرية موالين للقيصر. من المؤكد أن حقيقة التمرد على إحدى أفضل السفن في أسطول البحر الأسود تسببت في خوف الدوائر القيصرية من أن يتبعها آخرون في القوات المسلحة. نجا معظم البحارة على متن السفينة بوتيمكين عندما تجاوزت السفينة الآخرين في الأسطول ووصلت إلى ميناء كونستانزا الروماني. هم بعض القادة هؤلاء الفعليين للتمرد على متن السفينة بوتيمكين الذين لم يقبض عليهم القيصر ويُشنقوا.
كان الحدث الرئيسي التالي في هذا العام الثوري هو الإضراب العام في أكتوبر. وإلى حد ما، كان الإضراب غير مخطط له. عزم قادة الحزب في الحركة العمالية على تنظيم إضراب كبير في يناير 1906 في ذكرى أحد الدم. لكن ضربة بسيطة على مطبعة في موسكو أدت إلى تحريك الأمور قبل ذلك بكثير
إليكم كيف أوجز تروتسكي الأحداث في كتابه 1905
أضرب عمال الطباعة في مطبعة سيتين في موسكو في 19 سبتمبر وطالبوا بيوم عمل أقصر ومعدل عمل أعلى بالقطعة لكل 1000 مجموعة حرف، دون استبعاد علامات الترقيم. لم يُطلق هذا الحدث الصغير شيئاً أكثر ولا أقل من الإضراب السياسي لعموم روسيا، وهو الإضراب الذي بدأ فوق علامات الترقيم وانتهى بإسقاط الحكم المطلق. … [6]
تلت الأحداث واحدة تلو الأخرى:
* بحلول مساء يوم 24 سبتمبر، كان خمسون مطبعة مضربين عن العمل... وبدأ خبازو موسكو في الإضراب...
* في 2 أكتوبر أظهر عمال الطباعة في بطرسبرغ... تضامنهم مع رفاقهم في موسكو من خلال إضراب لمدة ثلاثة أيام.
* اتخذ اجتماع لنواب العمال من الطباعة والهندسة وصناعة الخزائن والتبغ وغيرها من المهن قراراً بتشكيل مجلس عام (سوفيتي) لعمال موسكو.
* 7 أكتوبر، بدأ عمال السكك الحديدية في موسكو الإضراب.
* في التاسع من أكتوبر، انضم عمال السكك الحديدية في بطرسبورج إلى المظاهرة: حيث طالبوا بـ 8 ساعات في اليوم، والحريات المدنية، والعفو عن جميع السجناء السياسيين، وتشكيل جمعية تأسيسية.
* تقدمت مطالبات الطبقة الثورية على المطالبات الاقتصادية الخاصة بالحرف المنفصلة. بعد أن تجاوز الإضراب حدوده المحلية والتجارية، بدأ يشعر بأنه ثورة، وبالتالي اكتسب جرأة غير مسبوقة.
* كان جيش السكك الحديدية بأكمله، ثلاثة أرباع مليون رجل، في حالة إضراب.
*في 13 أكتوبر، شُكل سوفييت بطرسبرغ لنواب العمال.
كان نطاق الضربة مذهلاً. [7] تم إغلاق كل مدينة رئيسية تقريباً؛ أصيبت السكك الحديدية بالشلل. وكانت خدمات التلغراف والبريد في أيدي العمال.
ووقعت مظاهرات حاشدة في أجزاء أخرى من الإمبراطوريةفي وارسو (بولندا) في أكتوبر؛ وطشقند، في آسيا الوسطى، أوزبكستان اليوم؛ وفنلندا، مظاهرة حاشدة. قاومت المناطق الثلاث سياسات القيصر الترويسية التي ذكرتها سابقاً، لكن القيصر كان ملتزماً، كما هو الحال دائماً، بالسياسة الرسمية القيصرية: 'الاستبداد، والقومية (أي الشوفينية الروسية العظمى)، والأرثوذكسية (الكنيسة الأرثوذكسية الروسية') --إلى حد اللجوء إلى الحراب إذا لزم الأمر.
كشف الإضراب العام عن القوة الهائلة للطبقة العاملة. ولكن كيف يمكن أن يؤدي الإضراب إلى ثورة؟ من يستطيع تنظيم وتوجيه انتفاضة وطنية؟ وهنا يشكل تشكيل سوفييت بطرسبورغ أهمية بالغة: فهو مثل، مرحلة الجنين للكيفية التي يمكن بها لحكومة عمالية في المستقبل أن تنشأ.
وأشار تروتسكي إلى أنه لا يمكن إجراء إضراب عام إلا لفترة معينة من الوقت. إذا أغلقت السكك الحديدية، فلن يتحرك شيء. إذا تم إغلاق التلغراف، فلا يوجد اتصال. المخابز مغلقة ولا يتم إنتاج الطعام. إلى متى يمكن للناس الصمود؟ بدون طعام، بدون تواصل، بدون التنقل من مدينة إلى أخرى؟
وصف تروتسكي ما هو السوفييتي في كتابه 1905:
إن تاريخ سوفييت نواب العمال في بطرسبورج هو تاريخ 50 يوماً (هذه هي المدة التي استمر فيها). انعقد الاجتماع التأسيسي للسوفييت في 13 أكتوبر. وفي 3 ديسمبر، أغلقت القوات الحكومية اجتماعاً للسوفييت. (أُلقي القبض على الجميع).
وحضر الاجتماع الأول بضع عشرات من الأشخاص. وبحلول النصف الثاني من شهر تشرين الثاني/نوفمبر، ارتفع عدد النواب إلى 562 نائباً، بينهم 6 نساء. [8]
أما موضوع تمثيل العمال، وهذا هو المهم: فقد خرجت الدعوة إلى كل مصنع لانتخاب نائب واحد، ومندوب واحد، عن كل 500 عامل. لم يتم ملاحظة ذلك بشكل مطلق وصارم، ولكن إذا كان هناك مصنع كبير، دعنا نقول، 20 ألف عامل، فسيكون هناك ممثل واحد لكل 500 عامل. إذا كنت تعمل في مصنع به مئتان أو ثلاثمئة عامل ولم تصل إلى حد الـ 500 عامل، فلا بأس، أرسل مندوباً. وتابع تروتسكي:
مثل هؤلاء الأشخاص 147 مصنعاً ومشغلاً و34 ورشة عمل و16 نقابة عمال. وانتمت الكتلة الرئيسية من المندوبين، 351 شخصاً، إلى عمال المعادن؛ لقد لعبوا دوراً حاسماً في السوفييت. وكان هناك 57 مندوباً من صناعة النسيج، و32 من صناعات الطباعة والورق، و12 من عمال الورش، و7 من العاملين في المكاتب وتجارة الأدوية. عملت اللجنة التنفيذية كوزارة سوفيتية. شُكلت في 17 أكتوبر وتتكون من 31 شخصاً: 22 مندوبا ً(منتخبين من المصانع) و9 ممثلين للأحزاب (6 من الفصيلين الاشتراكيين الديمقراطيين و3 من الاشتراكيين الثوريين)….
نظم السوفييت الجماهير العاملة، وأدار الإضرابات والمظاهرات السياسية، وسلح العمال وحماية السكان ضد المذابح. [9]
أثناء حدوث ذلك، بدأ القيصر في تنظيم قواته الرجعية وحثهم على مهاجمة العمال.
إن اسم 'حكومة العمال'، الذي أطلقه العمال أنفسهم من ناحية، والصحافة الرجعية من ناحية أخرى، على السوفييت كان تعبيراً عن حقيقة أن السوفييت كان في الواقع حكومة عمالية في مرحلة الجنين. كان السوفييت يمثل السلطة بقدر ما كانت السلطة مضمونة من خلال القوة الثورية لمناطق الطبقة العاملة؛ لقد ناضل من أجل السلطة طالما ظلت السلطة في أيدي النظام الملكي العسكري السياسي. [10]
في هذا الصراع، كان لا بد من إعطاء شيء ما. كيف يمكن للقوات القيصرية أن تتسامح مع السوفييت ؟ في 17 أكتوبر، أصدر القيصر بيانه الشهير (أو سيئ السمعة)، والذي كان استسلامًا صادمًا في رأي النبلاء، للإضراب العام، ولكنه أيضًا خادع إلى حد ما.
قبل يومين فقط من صدور البيان، أوصى تريبوف، نائب وزير الداخلية في عهد القيصر، والمسؤول عن قمع الجماهير، بإطلاق النار على المضربين. وقال إنه لا ينبغي عليهم التنازل عن أي شيء، بل يجب عليهم فقط سحق المضربين. وفي اليوم التالي، أعاد النظر. لكنه، في 15 أكتوبر/تشرين الأول، أصدر البيان سيئ السمعة الذي لم ينسه أحد قط: 'لا إحصاء لفوارغ الطلقات ! لا توفر الرصاص '.
وما حدث عادة عندما واجهت الشرطة أو الجيش أو القوزاق المضربين أو مظاهرة حاشدة، هاجموهم أحياناً بالسياط. وهاجموهم أحياناً بالسيوف وقطعوا بعضهم. وبعد ذلك، كانوا يطلقون عموماً جولة من الطلقات، خراطيش فارغة، لتخويف الجمهور. إذا لم يتحرك الحشد، فسوف يقومون بعد ذلك بتحميل خراطيش حقيقية وفتح النار. كانت توصية تريبوف هي: فقط انسَ الطلقات الخلبية ، وانتقل مباشرة إلى الذخيرة الحية.
وفي الوقت الذي طبع فيه القيصر بيانه، أصدر سوفييت بطرسبورغ جريدته الخاصة، إزفستيا. بضع كلمات حول كيفية طباعتها. لقد كان الأمر غير قانوني، فماذا فعلوا؟ لم يكن لديهم مطبعة خاصة بهم، إذ كان من الممكن أن تستولي عليها الشرطة القيصرية على الفور. لذلك نظم السوفييت مجموعة من العمال المسلحين الذين ذهبوا إلى المطبعة، التي أنتجت ثلاث أو أربع صحف في المدينة، ربما صحف برجوازية، أو صحف قيصرية. استولوا عليها، ربما في الساعة العاشرة ليلاً، ودخلوا مسلحين وقالوا: 'الصحافة في أيدينا خلال الساعات القليلة القادمة. سوف تقوم بطباعة ورقتنا.' ربما كان العديد من عمال الطباعة متعاطفين وكانوا سيتعاونون بكل سرور، لكنهم سيقولون: 'على الأقل وجهوا بنادقكم نحونا وقولوا إننا مجبرون على القيام بذلك'. طبعوا جريدتهم، إزفستيا، وبعد بضعة أيام، استولوا على مطبعة أخرى. ما كان من الوارد أن يكون لديهم مطبعة خاصة بهم.
واجه القيصر أيضاً مشاكل في الطباعة. وأضربت جميع المطابع، ورفض عمال الطباعة المضربون نشر بيان القيصر القيصر العظيم، حاكم الجميع. ومع ذلك، فقد طُبع. وتم استدعاء الجيش لإنجاز المهمة وطباعة الوثيقة على عجل. هذا هو بيانه.
وعد القيصر بإصلاحات محدودة، ربما تؤدي إلى بعض الحقوق الانتخابية وتشكيل مجلس الدوما، وهو هيئة تشريعية ذات صلاحيات محدودة للغاية. وكانت ردود الفعل مختلطة. وسرعان ما استنكره بعض العمال، وطبعوا ملصقاً للبيان بيد تريبوف الملطخة بالدماء. بدأ الطلاب في جامعة بطرسبورغ إضراباً في اليوم التالي.
لكن البرجوازية الليبرالية كانت مبتهجة. لقد ظنوا أن البرلمان البرجوازي الديمقراطي أصبح في متناول أيديهم.
كان لسوفيت بطرسبرغ رد فعل مختلف. ورد في مقال رائد في ازفستيا ما يلي:
وهكذا حصلنا على دستور. لقد مُنحنا حرية التجمع، لكن تجمعاتنا محاطة بالقوات. لقد مُنحنا حرية التعبير، لكن الرقابة لا تزال غير قابلة للانتهاك. لقد حصلنا على حرية الدراسة، لكن الجامعات محتلة من قبل القوات. لقد حصلنا على حصانة شخصية، لكن السجون امتلأت بالمسجونين. لقد حصلنا على ويت (رئيس الوزراء الذي كان من المفترض أن ينفذ إصلاحات ليبرالية)، ولكن لا يزال لدينا تريبوف (رئيس شرطة موسكو الوحشي، الجزار). لقد حصلنا على دستور، ولكن الاستبداد لا يزال قائما. لقد أُعطي كل شيء، ولم يُعط أي شيء.' [11]
في ظل هذه الظروف، كان لا بد من إعطاء شيء ما. أعد النظام القيصري قواته للقيام بحملة قمع واسعة النطاق.
وبعد يوم أو نحو ذلك من صدور بيان القيصر، اندلعت المذابح، وكان أفظعها في أوديسا، الميناء البحري على البحر الأسود. فعلى مدى ثلاث أيام، 18-20 أكتوبر، تجولت عصابات المئة السود في الأحياء اليهودية، وقتلت وضربت وعذبت الناس، ونهبت المنازل والمتاجر. قُتل أربعمئة شخص، واضطر ما يصل إلى 50 ألفاً إلى الفرار من منازلهم. تم تنظيم فرق الدفاع اليهودية من قبل العمال مما حد من القتل، لكنه لم يمنعه.
لقد كانت الأمور حقا تخرج عن نطاق السيطرة. وانتهى إضراب موسكو في التاسع عشر في حين قرر سوفيت بطرسبرغ إنهاء إضرابه في 21 أكتوبر.
ومع ذلك، واصل سوفييت بطرسبرغ عمله. فبالإضافة إلى صحيفة إزفستيا واسعة الانتشار، بدأت صحيفة جديدة بالظهور في 13 نوفمبر: ناشالو (البداية). وأعلنت ترويسة الصحيفة بفخر إنها صحيفة تابعة لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي. كان ليون تروتسكي أحد كتابها الرئيسيين، ومحررها تقريباً، وهو الذي عاد إلى بطرسبرغ من فنلندا في 14 أكتوبر، وهو اليوم الثاني من وجود السوفييت. وكان من المساهمين الآخرين بارفوس، ومارتوف، ودان، وغيرهم من الكتاب المناشفة بشكل رئيسي. لم يكن هناك سوى 14 عددا من هذه الصحيفة المطبوعة على الإطلاق، منذ أن تم إغلاقها مع اعتقال أعضاء السوفييت في 3 ديسمبر.
عندما قلت إن تروتسكي وصل من فنلندا، كان قد عاد إلى كييف من الخارج في فبراير، عندما تكشفت الأحداث الثورية. ثم وصل إلى بطرسبورغ. في عيد العمال في بطرسبرغ، كانت هناك مظاهرة في عيد العمال تم خلالها اعتقال زوجته ناتاليا. كان على تروتسكي أن يهرب. ذهب إلى قرية نائية في فنلندا. وأثناء وجوده هناك وضع العديد من الأساسيات الأساسية لنظريته حول الثورة الدائمة. تم تشكيل سوفييت بطرسبرغ في 13 أكتوبر. وكان تروتسكي هناك في اليوم التالي.
اتخذ السوفييت قراراً بالغ الأهمية إذ دعا جميع المصانع والمشاغل إلى اعتماد يوم عمل من ثمان ساعات من خلال أخذ زمام المبادرة من تلقاء نفسها، ولم يمنحهم أحد هذا الحق. وبعد مرور ثماني ساعات، أسقطوا الأدوات وبدأوا في المغادرة. هدد أصحاب العمل وأرباب العمل وأصحاب المصانع الرأسمالية بإغلاق جماعي. مؤقتا ، كان على العمال التراجع. كتب تروتسكي: 'بعد أن واجهت الجماهير العاملة المقاومة المنظمة لرأس المال، عادت مرة أخرى إلى القضية الأساسية للثورة، وهي حتمية الانتفاضة، والحاجة الأساسية إلى السلاح'.12]] ماذا نفعل بعد ذلك؟ وكان لا بد من معالجة هذا.
المرحلة الأخيرة من عام 1905 التي سأغطيها هي الانتفاضة المسلحة في ديسمبر في موسكو.
في الرابع من ديسمبر/كانون الأول، أقر سوفييت موسكو 'البيان المالي' الذي كتبه بارفوس، الذي هدد نظام القيصر الضريبي والنظام المصرفي. ففي 6 ديسمبر، قرر السوفييت، الذي مثل في ذلك الوقت 100 ألف عامل في موسكو، متأثراً بشكل مباشر بالاضطرابات الكبرى في حامية موسكو، مع الأحزاب الثورية، إعلان إضراب سياسي عام في موسكو في اليوم التالي، 7 ديسمبر. وبذل قصارى جهدها لتحويل الإضراب إلى تمرد مسلح. وجاء في إعلان موسكو في صحيفة إزفستيا ما يلي:
أصدر سوفييت نواب العمال في موسكو، ولجنة وفريق حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي، ولجنة حزب الاشتراكيين الثوريين، ما يلي: أن يعلنوا في موسكو، اعتباراً من يوم الأربعاء 7 كانون الأول/ديسمبر، الساعة 12 ظهراً، إضراب سياسي عام ومحاولة تحويله إلى انتفاضة مسلحة.[13]
أول مدينة أضربت كانت موسكو (في السابع من الشهر). وفي اليوم التالي، انضمت إليها بطرسبرغ ومينسك وتاغانروغ؛ وفي العاشر تفليس؛ وفي الحادي عشر فيلنا؛ وفي الثاني عشر، خاركوف وكييف ونيجني نوفغورود؛ وفي الثالث عشر أوديسا وريغا؛ وفي الرابع عشر، لودز؛ وفي الخامس عشر، وارسو، على سبيل المثال لا الحصر حول أكبر المراكز. وإجمالاً، انضمت إلى الإضراب 33 مدينة مقابل 39 في أكتوبر.
لكن موسكو وقفت في مركز حركة ديسمبر. توقف حوالي 000010 رجل عن العمل في اليوم الأول. وفي اليوم الثاني ارتفع عدد المضربين إلى 150 ألفاً. أصبح الإضراب في موسكو عاماً وامتد إلى المصانع في الريف المحيط بموسكو. وعُقدت اجتماعات ضخمة في كل مكان. وسرعان ما تم بناء المتاريس، واندلع القتال إذ بدأت الانتفاضة.
لم تكن المتاريس الموضحة هنا تهدف إلى توفير غطاء للعمال المسلحين المختبئين خلفهم، بل لمنع القوات القيصرية من اجتياح المدينة. كانت هناك بعض المتاريس حرسها متمردون، عمال، لكنهم كانوا الأقلية.
كيف كان القتال؟ من جانب العمال، كان الأمر أشبه بحرب العصابات، وليس تبادل إطلاق النار خلف المتاريس. وصف تروتسكي كيف وقع المزيد من القتال.
هنا مثال، واحد من العديد. صمدت مجموعة مكونة من 13 عاملاً مسلحاً احتلوا أحد المباني، لمدة أربع ساعات، أمام نيران ما بين 500 أو 600 جندي حملوا 3 بنادق ورشاشين تحت تصرفهم. عندما استنفدوا كل ذخيرتهم وألحقوا خسائر فادحة بالقوات، انسحب الدروزينيكي دون جرح واحد؛ في حين دمر الجنود عدة مباني في المدينة بنيران المدفعية، وأشعلوا النار في عدد من المنازل الخشبية وقتلوا الكثير من المواطنين المذعورين، كل ذلك من أجل إجبار عشرات الثوار على الفرار. [14]
هذه هي الطريقة التي حارب بها العمال. أُمروا بتشكيل مجموعات صغيرة ، اثنان، ثلاثة، ربما، أربعة أطلقوا النار من الساحات، أطلقوا النار من أعلى، تحركوا بسرعة، لا تبقوا في مكان واحد لفترة طويلة.
أُبلغ دوباسوف، الذي أُمر بإخماد التمرد، إلى بطرسبورغ أنه يمكن وضع 5000 فقط من أصل 15000 رجل في حامية موسكو في الخدمة وكان الباقون غير موثوق بهم. واتصل بالقيصر مباشرة وأعلن أنه لا يستطيع ضمان 'بقاء الحكم الاستبدادي على حاله' ما لم يرسل القيصر المزيد من القوات. صدر الأمر على الفور بإرسال فوج حرس النخبة سيمينوفسكي إلى موسكو. في الواقع، تم إيقافهم تقريباً. وحاول عمال السكة الحديد قطع السكة في بعض المناطق، لكن الجيش منعهم من ذلك، وتمكنت القوات من المرور.
في 16 ديسمبر، قرر السوفييت والحزب إنهاء الإضراب في التاسع عشر.
وبلغت حصيلة انتفاضة موسكو قرابة 1000 قتيل ونحو نفس العدد من الجرحى. وقتل عدة مئات من الجنود.
وفي إحدى مراحل القتال، في منطقة بريسنيا، واجه العمال قصفاً مدفعياً متواصلاً من الساعة السادسة صباحاً حتى الرابعة بعد الظهر، بمعدل سبع قذائف في الدقيقة. ويمكن للمرء أن يتخيل حجم الضرر الذي قد يحدثه ذلك في منطقة حضرية مليئة بالمدنيين، وبعض العمال المسلحين. وأدى القصف إلى تحويل المنطقة، وبعض المصانع الموجودة فيها، إلى أنقاض كاملة.
على الرغم من أن الانتفاضة في موسكو كانت الأكبر، إلا أن المناطق الأخرى شاركت في الكفاح المسلح. وظهر السوفييت في العديد من المدن الأخرى مثل أوديسا، ونوفوروسيسك، وكوستروما، إلخ.
يمكن رؤية النطاق الهائل لثورة 1905 من هذه الصورة. تمثل جميع النقاط الخلفية المدن التي كانت إما في حالة تمرد أو قامت بإضراب عام. وكانت السكك الحديدية مشاركة إلى حد كبير.
وأعقب ذلك فترة من القمع الجماعي، وقمع دموي مارسه القيصر في الفترة من 1905 إلى 1907. أرسل القيصر حملات عقابية، خاصة على طول خطوط السكك الحديدية، حيث لعب عمال السكك الحديدية دوراً رئيسياً بالطبع. ستأتي القوات إلى محطة السكك الحديدية وتبدأ في إطلاق النار على الجميع، أياً كان بالقرب منهم، من النساء والأطفال وعمال السكك الحديدية، وأي شخص كان هناك، فقط أطلق النار عليهم. وتم شنق بعضهم على طول الطريق لترويع الناس.
كتب تروتسكي عن الأعمال الانتقامية:
في أراضي البلطيق، حيث اندلع التمرد قبل أسبوعين من اندلاعه في موسكو، أُطلقت النار على العمال والفلاحين في لاتفيا، وشنقهم، وجلدهم حتى الموت بالعصي ، وأُجبروا على القتال، وأُعدمواعلى أنغام النشيد القيصري. ووفقاً لمعلومات غير كاملة إلى حد كبير، أُعدم 749 شخصاً، وأُحرق أكثر من 100 مزرعة، وجُلد العديد من الأشخاص حتى الموت في أراضي البلطيق في غضون شهرين. [15]
في الفترة ما بين 9 يناير وانعقاد أول مجلس دوما للدولة في 27 أبريل 1906، وفقاً لأرقام تقريبية ولكن بالتأكيد ليس مبالغ فيها، قتلت الحكومة القيصرية أكثر من 14000 شخص، وأعدمت أكثر من 1000، وجرحت أكثر من 20000 (توفي العديد منهم بسبب جراحهم)، واعتقل ونفي وسجن 70 ألف شخص. ولم يكن الثمن )الذي شعر به القيصر( باهظاً، لأن ما كان على المحك هو وجود القيصرية في حد ذاته. [16]
ولم يتم إعدامهم كلهم. هؤلاء هم الأعضاء البارزون في سوفييت بطرسبرغ، حيث يمكنك رؤية تروتسكي في الصف الثاني. تم القبض عليهم ومحاكمتهم في عام 1906، وحُكم عليهم 'فقط' بالنفي الخارجي إلى مناطق نائية من سيبيريا. لكن لم يتم شنقهم في ذلك الوقت.
قام النظام القيصري، على الرغم من تعرضه للاهتزاز، بتجميع قواته لتعزيز نظامه بشكل أكبر. شعر النبلاء أن التمرد قد سُحق، وحان الوقت للسيطرة على الأمور.
في الفترة التي سبقت ثورة 1905 وبعدها، احتدمت المناقشات حول الثورة داخل الحركة الاشتراكية الديمقراطية. طرح بليخانوف ولينين وتروتسكي ثلاث خيارات مهمة لكيفية تطور الثورة.
دعا بليخانوف إلى ثورة برجوازية يكون فيها الدور القيادي للبروليتاريت في التحالف مع البرجوازية الليبرالية. وسيكون الهدف هو إقامة ديمقراطية برلمانية ذات اقتراع عام ومباشر ومتساو وسري. إن الثورة الاشتراكية في أوروبا الغربية ستسبق الثورة في روسيا. لقد أدلى بهذا التصريح في ديسمبر 1905، عند الرد على الأحداث التي وقعت، ولا سيما الانتفاضة المسلحة في موسكو: 'لم يكن على العمال أن يحملوا السلاح'. [17] وهو فقد مصداقيته حقاً في أعين العديد من العمال والديمقراطيين الاشتراكيين عندما أدلى بهذا التصريح.
وكان للينين موقفاً مختلفاً. قال نعم، يجب أن تكتمل الثورة البرجوازية. ودعا إلى 'ديكتاتورية ديمقراطية للبروليتاريا والفلاحين'. وقال إنه لا ينبغي أن يكون هناك تحالف مع الليبراليين البرجوازيين، ودعا إلى حل جذري للمسألة الزراعية من خلال التحالف مع أفقر الفلاحين على وجه الخصوص. لقد شعر أن الثورة الاشتراكية في أوروبا الغربية ستساعد الثورة في روسيا. قال إنهم 'سيعلموننا كيفية القيام بذلك'.
دعا تروتسكي إلى دكتاتورية البروليتاريا، بدعم من الفلاحين. ووافق على إنه لا ينبغي أن يكون هناك تحالف مع الليبراليين البرجوازيين، ولا التوقف عند ثورة برجوازية، بل ثورة متواصلة أو دائمة، تتبع سياسات اشتراكية. الثورة الاشتراكية في روسيا من شأنها أن تشعل الثورة الاشتراكية في أوروبا الغربية. ولم يكن هذا هو الرأي المقبول.
وقد أوضح تروتسكي فيما بعد وجهات نظره حول الثورة الدائمة في يناير 1922:
وفي الفترة ما بين 9 يناير وإضراب أكتوبر عام 1905 بالتحديد، تشكلت تلك الآراء التي أصبحت تسمى نظرية 'الثورة الدائمة' في ذهن المؤلف.
حدد هذا التعبير الرفيع إلى حد ما فكرة أن الثورة الروسية، على الرغم من اهتمامها المباشر بالأهداف البرجوازية، لم تتمكن من التوقف عند تلك الأهداف؛ ولم يكن بوسع الثورة أن تحل مهامها البرجوازية المباشرة إلا بوضع البروليتاريا في السلطة. ولن تكون البروليتاريا، ما أن تمتلك السلطة، قادرة على البقاء محصورة داخل الإطار البرجوازي للثورة. على العكس من ذلك، من أجل ضمان انتصارها على وجه التحديد، كان على الطليعة البروليتارية في المراحل الأولى من حكمها أن تقوم بغزوات عميقة للغاية ليس فقط في علاقات الملكية الإقطاعية، بل أيضاً في علاقات الملكية البرجوازية. وأثناء قيامها بذلك، فإنها ستدخل في صراع عدائي، ليس فقط مع كل تلك المجموعات البرجوازية التي دعمتها خلال المراحل الأولى من نضالها الثوري، ولكن أيضاً مع الجماهير العريضة من الفلاحين، التي تعاونت معه البروليتاريا لإيصالها إلى السلطة.
كيف يمكن حل هذا التناقض؟
لا يمكن حل التناقضات بين حكومة العمال والأغلبية الساحقة من الفلاحين في بلد متخلف إلا على نطاق أممي، في ساحة الثورة البروليتارية العالمية. [18]
لذا، لا يمكن حل هذا التناقض ضمن حدود روسيا وحدها.
كتبت روزا لوكسمبورغ، التي شاركت لفترة وجيزة في ثورة 1905 قبل اعتقالها في وارسو، عملاً هاماً في عام 1906 لتحليل ما حدث في روسيا والمطالبة بمناقشة دور الإضراب الجماهيري داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني. قاوم قادة النقابات العمالية، و فُرض حظر على مواصلة مناقشة هذه القضية. لقد أيدت تحليل تروتسكي لعام 1905 في مؤتمر لندن لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي في عام 1907.
كان حجم أحداث عام 1905 هائلاً. ووصفه كثيرون بأنه شبه انتصار وشبه هزيمة. ظلت القيصرية في السلطة، لكنها أصيبت بجروح قاتلة. لقد برزت الطبقة العاملة باعتبارها أقوى قوة ثورية على الإطلاق في أوائل القرن العشرين. وظهرت أحزاب جديدة وبرامج جديدة وأشكال جديدة من التنظيم. لقد أثبتت الاشتراكية الديمقراطية الروسية في الممارسة العملية إنها قادرة على تنظيم وقيادة الطبقة العاملة. وكان لا بد من دراسة الإضراب الجماهيري وعلاقته بالانتفاضة المسلحة والاستيلاء على السلطة واستيعاب دروسه.
وعلى المستوى الدولي، كان للأحداث تأثير قوي بشكل خاص على الحركات الثورية في ثلاث دول: الصين، وتركيا، وبلاد فارس (إيران اليوم). ففي الولايات المتحدة، تم تشكيل IWW (عمال الصناعة في العالم) في عام 1905؛ وفي فرنسا، حظيت الحركة النقابية بدفعة هائلة.
كانت الدروس التي تعلمتها الطبقة العاملة في روسيا عام 1905 جزءاً حاسماً من الاستعداد لأكتوبر 1917. لخص تروتسكي أحداث عام 1905 في سيرته الذاتية، التي كتبها بعد 25 عاماً:
كان للانتصار الجزئي لإضراب أكتوبر أهمية نظرية وسياسية هائلة بالنسبة لي. لم تكن معارضة البرجوازية الليبرالية، ولا الانتفاضات الأساسيية للفلاحين أو الأعمال الإرهابية للمثقفين، بل إضراب العمال هو الذي أدى لأول مرة إلى إركاع القيصرية. لقد كشفت القيادة الثورية للبروليتاريا عن نفسها كحقيقة لا تقبل الجدل. شعرت أن نظرية الثورة الدائمة اجتازت اختبارها الأول بنجاح. ومن الواضح أن الثورة فتحت أمام البروليتاريا إمكانية الاستيلاء على السلطة. إن سنوات رد الفعل التي تلت ذلك سرعان ما فشلت في دفعي إلى التخلي عن هذا الموقف. ولكن من هذه المقدمات استخلصت أيضاً استنتاجاتي حول الغرب. إذا كانت البروليتاريا الروسية الشابة قادرة على أن تكون هائلة إلى هذا الحد، فكيف سيكون جبروت القوة الثورية لبروليتاريا البلدان الأكثر تقدماً! [19]
Citations
[1] Georgi Plekhanov, “Our Differences,” Selected Philosophical Works, Vol.1, (Moscow Progress Publishers, 1974), p. 400
[2] Karl Kautsky, “The Slavs and Revolution,” Witnesses to Permanent Revolution, eds Richard B. Day and Daniel Gaido, (Brill, 2009), p. 64
[3] Leon Trotsky, My Life, translated by Max Eastman (New York, Charles Scribner’s Sons, 1931), p. 165
[4] Theodore Dan. The Origins of Bolshevism, edited and translated by Joel Carmichael, (New York, Schocken Books, 1970), pp 299-300
[5] “An Anti-War Leaflet,” The Russian Revolution of 1905: Change Through Struggle, Revolutionary History, Vol. 9, No. 1, pp. 85-87
[6] Leon Trotsky, 1905, translated by Anya Bostock, (New York: Vintage Books, 1971), p. 85
[7] Ibid., pp. 86-92
[8] Ibid., p. 250
[9] Ibid., pp. 250-251
[10] Ibid., p. 251
[11] Ibid., p. 123
[12] Ibid., p. 186
[13] Original translation from the Russian by Fred Williams
[14] Leon Trotsky, 1905, translated by Anya Bostock, (New York: Vintage Books, 1971), p. 241
[15] Ibid., p. 248
[16] Ibid., p. 249
[17] Cited in Grigorii Zinoviev, History of the Bolshevik Party (London: New Park Publications, 1973), p. 127
[18] Trotsky, 1905, pp.vi-vii
[19] Trotsky, My Life, p. 180