العربية
Perspective

المحكمة العليا وثورة 1 يوليو/ تموز 2024 المضادة

إن قرار المحكمة العليا في قضية ترامب ضد الولايات المتحدة هو القرار الأكثر رجعية و الأبعد أثراً في تاريخ المحكمة العليا. وسوف يسجله التاريخ باسم ثورة الأول من يوليو 2024 المضادة.

مُنح الرئيس صلاحيات غير محدودة لانتهاك الدستور وخرق أي قانون متى قرر ذلك. وكما خلصت القاضية سونيا سوتومايور في  معارضتها، فإن الأنشطة الرئاسية التي أصبحت الآن محصنة ضد الملاحقة القضائية يمكن أن تشمل حالات عندما يأمر الرئيس الجيش 'باغتيال منافس سياسي'، وينفذ 'انقلاباً عسكرياً للاحتفاظ بالسلطة'، ويقبل 'رشوة مقابل العفو'.

وفي معارضة منفصلة، ​​أكدت القاضية كيتانجي براون جاكسون إن الجرائم التي تصل إلى القتل وتشمله قد تقع ضمن نطاق 'الواجب الرسمي'. وكتبت إن السؤال المطروح أمام المحكمة لم يكن ما إذا كان بإمكان الرئيس إقالة المدعي العام، ولكن ما إذا كان 'للرئيس خيار عزل المدعي العام، على سبيل المثال، عن طريق تسميمه حتى الموت'.

يستطيع الرئيس الآن أن يأمر الخدمة السرية، أو مكتب التحقيقات الفيدرالي، أو الأفراد العسكريين بذبح الأعداء السياسيين بالمئات، كما فعل أدولف هتلر في ليلة السكاكين الطويلة في يونيو/حزيران 1934، ولن تتم محاسبته قانونيا.

صدر القرار قبل أيام من عطلة عيد الاستقلال، أي قبل عامين من الذكرى الـ 250 لميلاد الجمهورية، وهو القرار الذي خرق الإطار الدستوري الأمريكي، بما في ذلك المبادئ الجمهورية الأساسية مثل الفصل بين السلطات، وسيادة القانون، والسيادة الشعبية. إن قضية ترامب ضد الولايات المتحدة أضفت الشرعية، بحكم الأمر الواقع وبحكم القانون، على دكتاتورية رئاسية لا يمكن السيطرة عليها. إذ رفع القرار صراحة الرئيس التنفيذي فوق نطاق القانون عندما ادعى إنه تصرف بصفة رسمية.

يحاول قسم كبير من وسائل الإعلام تعزية أنفسهم وإراحة ضمائر  الناس من خلال الادعاء بأن قرار المحكمة العليا ترك الباب مفتوحاً أمام احتمال ألا تكون الجرائم 'الشخصية' التي يرتكبها الرئيس محصنة. لكن ما هو شخصي وما هو رسمي، كما يوضح الحكم، سيُترك لتقدير الرئيس. في أقصى الأحوال، قد تتم مراجعة الجرائم الرئاسية بعد وقوعها من قبل محاكم أعاقها القرار الجديد، على الرغم من أن الرئيس يمكن أن يستبق المراجعة من خلال الأمر باغتيال القضاة المكلفين بإجراء المراجعة. لقد سعى دونالد ترامب بالفعل إلى الحصول على إعفاء من إدانته في نيويورك بتهمة التلاعب في الانتخابات بسبب 'أموال الصمت' الناشئة عن مزاعم تتعلق بعلاقة شخصية.

وفي كل الأحوال، فإن القرار ذهب إلى ما هو أبعد من ترامب. إن السلطات الهائلة التي منحتها المحكمة لا تُمنح إلى فرد بل إلى مكتب. وبغض النظر عمن هو الرئيس، سيكون تحت تصرف شاغل البيت الأبيض سلطات دكتاتورية. ومن الواضح أن هذه السلطة جوهرية في قرار المحكمة. ففي نهاية المطاف، كان 'الإجراء الرسمي' المعني هو تنظيم ترامب السري لانقلاب في السادس من يناير/كانون الثاني 2021، لقلب نتائج هزيمته في الانتخابات، وبالتالي تعليق الدستور.

إذا كان التمرد الفاشي يقع ضمن الواجبات الرسمية للرئاسة، فلا يوجد شيء لا يندرج في نطاق الواجبات الرسمية للرئاسة.

أصدرت المحكمة العليا حكمها. و'وجدت' الرئيس الأمريكي فوق القانون. تحيط حالة دائمة من الحكم الديكتاتوري بساكن البيت الأبيض، على غرار سلطة الدول الفاشية في القرن الماضي المتركزة في موسوليني وهتلر. ومن خلال التصرف ضمن 'الواجبات الرسمية'، لا يوجد شيء لا يستطيع الرئيس القيام به.

لكن الطبقة العاملة لم تصدر حكمها بعد.

اليوم، سيحتفل العمال بعشرات الملايين منهم بالرابع من يوليو. ومع ذلك، قد لا يكون من المعروف على نطاق واسع أن العطلة تمثل التصديق على البيان الثوري أي إعلان الاستقلال في 4 يوليو 1776، وليس قطع العلاقات مع بريطانيا العظمى، الذي تم من خلال قرار لي في 2 يوليو، 1776. من الأهمية بمكان أن يتعرف العمال والشباب على الإعلان، الذي لديه الكثير ليقوله عن تهديد الدكتاتورية الذي فرضته المحكمة العليا الآن.

تمت صياغة الإعلان  في فيلادلفيا من قبل لجنة ضمت توماس جيفرسون، المؤلف الرئيسي، وبنجامين فرانكلين وجون آدامز، وبدأت الوثيقة بالنص على أن 'الاحترام اللائق لآراء البشرية' يتطلب تقديم تفسير 'إلى عالم صريح' لـ أسباب الثورة التي استمرت لمدة عام. قد يكون ما يلي هو البيان الأكثر ثورية في تاريخ العالم، بكل آثاره الواسعة والمتفجرة التي لا تزال قوية اليوم كما كانت في عام 1776: 'نحن نعتبر هذه الحقائق بديهية، وهي أن جميع الناس خلقوا متساوين'.

ثم عرض جيفرسون البديهيات لما أصبح يعرف باسم 'النظرية الأمريكية' أو 'النظرية الجمهورية' للحكومة. الدول لا 'تمنح' الناس حقوقهم. يولد الناس مع 'حقوق غير قابلة للتصرف'، الحقوق تسبق وجود الحكومات. تستمد الحكومات 'سلطاتها من موافقة المحكومين'  وليس أكثر من ذلك بمقدار ذرة. والواقع أن الدول قد يكون لها وجود عادل بقدر ما تدعم هذه الحقوق؛ ولهذا السبب 'أقيمت لمصلحة الناس'.

ومن هنا، أكد الإعلان على الحق في الثورة 'عندما يصبح أي شكل من أشكال الحكم مدمراً لهذه الغايات'. في ما يمكن قراءته كتحذير للمحكمة العليا اليوم وغيرها من قلاع السلطة التآمرية، أخبرنا جيفرسون أنه يتم الوصول إلى  الحق في الثورة 'عندما يظهر قطار طويل من الانتهاكات والاغتصاب... مصممة لوضع الناس 'تحت حكم مطلق' أي تحت الاستبداد”. في مثل هذه اللحظة، لا يصبح من حق الشعب فحسب، بل من 'واجبه' 'التخلص من هذه الحكومة'.

كان الإعلان تتويجاً لتطور طويل الأمد في الفكر الإنساني الذي تعود أصوله إلى عصر التنوير وتحدياته للنظام الإقطاعي الذي أقره الله. ولكن لم يكن أحد ليتوقع في عام 1763، وسط الابتهاج بانتصار بريطانيا العظمى على فرنسا في حرب السنوات السبع، أن تؤدي ثورة تقوم على مبدأ المساواة بين البشر إلى تمزيق الإمبراطورية بعد ما زاد قليلاً عن عقد من الزمان.

ما الذي تغير؟ لقد كان 'القطار الطويل من الانتهاكات' الذي وصفه الإعلان هو الذي جهز الوعي الشعبي للثورة. كتب جون آدامز لاحقاً إلى جيفرسون: 'كانت الثورة في أذهان الناس، ونُفذت ، من عام 1760 إلى عام 1775، في غضون خمسة عشر عاماً قبل أن تسيل قطرة دم في ليكسينغتون'.

أُزيلت العقبة الأخيرة في قطع الطريق إلى 'عقول الناس' مع كتاب 'الفطرة السليمة' لتوم باين، الذي صدر في يناير 1776. وحتى تلك المرحلة من الأزمة الإمبراطورية، حارب المستعمرون العنصر الأيديولوجي للصراع مع إنجلترا على مسألة التمثيل داخل الإمبراطورية. لقد توصلوا، بحلول عام 1775، إلى استنتاج مفاده أن القطيعة مع البرلمان كانت ضرورية. لكنهم لم يكونوا مستعدين بعد للقطيعة مع الملك. تصور كثيرون مملكة أميركية 'تمتلك تفويضاً' ذات برلمان منفصل، ولكن مع الملك كرئيس للدولة، وهي الفكرة التي استبقت نظرية الكومنولث الرجعية للإمبراطورية التي فُرضت فيما بعد على مواطني جنوب آسيا و على الكنديين والأستراليين.

وجه باين نيرانه إلى الملك والسلطة الملكية بشكل عام. كان باين مهاجراً إنجليزياً، وعاملاً ومؤمناً إلى حد التطرف، كان صانع مشدات لجهة المهنة، وصحافياً بالمهنة، وداعيا بالفطرة ، وصل باين إلى فيلادلفيا عام 1774 بمساعدة فرانكلين. وبعد أكثر من عام بقليل، أنجز كتاب  Common Sense. وفي محاولة لتهدئة المخاوف من حكومة بدون ملك، اتهم باين فكرة وجود ملك فوق القانون، بكلمات يمكن توجيهها بنفس القدر ضد المحكمة العليا اليوم:

ولكن، كما يقول البعض، أين هو ملك أمريكا؟ سأخبرك، يا صديقي، إنه يحكم في الأعلى، ولا يسبب الفوضى للبشرية مثل الوحش الملكي حاكم بريطانيا العظمى... المتوج ، والذي من خلاله يعرف العالم، إنه بقدر ما نوافق على الملكية، أن القانون في أمريكا هو الملك.

ضرب الفطرة السليمة بقوة نيزكية، مما أدى إلى إشباع السكان بالأفكار الثورية. وتشير التقديرات إلى أنه بيع 100 ألف نسخة في الشهرين الأولين، ثم 500 ألف نسخة بحلول نهاية عام 1776. ولا بد من توزيع بيان مماثل في الولايات المتحدة اليوم بما يصل إلى 60 مليون نسخة وهو أمر يمكن تحقيقه تماما نظراً للتقدم التكنولوجي الكبير مقارنة مع  عام 1776  وتطور وفرة الكلمة المكتوبة منذ زمن باين. لقد مهّد المنطق السليم الطريق للإعلان، الذي وزع على نطاق أوسع، وقرىء بصوت عالٍ على الجيش القاري وميليشيات الدولة وسط وابل من إطلاق النار الاحتفالي طوال شهر يوليو من عام 1776.

ووراء المبادئ الثورية للإعلان، شُنت حرب الاستقلال و حُقق الانتصار فيها في نهاية المطاف في عام 1783، وبتكلفة باهظة للغاية. كنسبة من السكان، مات عدد أكبر من الأمريكيين في هذه الحرب مقارنة بجميع الحروب الأخرى باستثناء الثورة الأمريكية الثانية، أي  الحرب الأهلية. لكن السؤال حول كيفية حكم الأميركيين لأنفسهم بقي قائماً.

كان الفكر السائد هو أنه في كل حكومة قائمة يجب أن يكون هناك مستودع نهائي للسيادة غير قابل للتجزئة. النظام الملكي الذي حكم أوروبا لألف عام وجد هذه السيادة المطلقة في الملك، سواء كان ذلك نظام 'الملك و البرلمان' في بريطانيا، أو الممالك المطلقة في فرنسا والنمسا وإسبانيا وروسيا. علاوة على ذلك، حتى في النظرية الجمهورية، كان يُعتقد أنه، بسبب عدم قابلية السيادة للتجزئة، يجب أن تكون الجمهوريات صغيرة، مثل جمهوريات هولندا ودول المدن الإيطالية.

و ركز المحافظون البريطانيون على هذا الضعف في الحجة الأمريكية. لقد تحدوا بسخرية المستعمرين السابقين: في أي دولة من الدول الثلاث عشرة الجديدة ستقع السيادة؟ ومن سيكون صاحب السيادة في كل منهما؟ وبعد كفاح طويل، قدم الأمريكيون إجابتهم في العبارة الافتتاحية للدستور: 'نحن الشعب...' كان 'الشعب' هو صاحب السيادة، وليس الرئيس، وليس المحاكم، ولا الممثلين المنتخبين، ولا حتى الدستور، لأنه كما أشار لينكولن لاحقاً، فإن الدستور نفسه كان لاحقاً وشكله 'الشعب'، بناءً على إعلان الاستقلال.

وكانت هذه عقيدة ثورية في وقتها.

وبطبيعة الحال، فإن النمو الهائل للأيديولوجية في الثورات الديمقراطية البرجوازية الأولى غطى الدوافع الطبقية بحيث كانت غامضة حتى بالنسبة للمشاركين. تخيلت الطبقات المالكة أنها تتحدث باسم 'الشعب' في صياغة دستور عام 1787.

وفي عام 1789، تحدث نظرائهم الفرنسيون باسم 'الأمةً. أعلنت الأيديولوجية الجمهورية البرجوازية المساواة والأخوة وحقوق الإنسان في كل مكان. ومع ذلك، فقد استبدلت الثورات دائماً الأشكال الجديدة من الهيمنة الطبقية بالأشكال القديمة. طور ماركس وإنجلز الاشتراكية العلمية من خلال التحليل الأكثر بحثًا والنقد الاقتصادي والتاريخي والسياسي لهذا النظام الرأسمالي الجديد، وكشفا عن التناقض المتفجر بين إعلانات المساواة والوجود الفعلي للاستغلال الهمجي، بما في ذلك العبودية، التي أدت إلى الثورة الأمريكية الثانية، والحرب الأهلية.

و على الرغم من إن الدستور أخفى الهيمنة الطبقية، أو بالأحرى لأنه فعل ذلك على وجه التحديد، فقد أثبت أنه إطار فعال للديمقراطية البرجوازية. إنها لحقيقة لافتة للنظر أنه حتى في خضم الحرب الأهلية، التي مات فيها حوالي 750 ألف أمريكي، سعى لينكولن بكل دقة إلى دعم الدستور. ولهذا السبب، على سبيل المثال، لم 'يأمر' بتحرير العبيد ببساطة، بل استخدم بدلاً من ذلك صلاحيات خاصة كقائد أعلى للجيش في الحرب لإصدار إعلان تحرير العبيد في الأول من يناير عام 1863، وهو القرار الذي استمر حتى الآن في  التشويش على النظريات العنصرية للتاريخ. 

ورغم أن الدستور أخفى الهيمنة الطبقية، أو بالأحرى لأنه فعل ذلك على وجه التحديد ، فقد أثبت أنه إطار فعال للديمقراطية البرجوازية. إنها لحقيقة لافتة للنظر أنه حتى في خضم الحرب الأهلية ، التي مات فيها حوالي 750 ألف أمريكي ، سعى لينكولن بكل دقة إلى دعم الدستور. ولهذا السبب، على سبيل المثال، لم 'يأمر' بتحرير العبيد فحسب، بل استند بدلاً من ذلك إلى صلاحيات خاصة كقائد أعلى للجيش في الحرب لإصدار إعلان تحرير العبيد في الأول من يناير عام 1863، وهو القرار الذي استمر حتى الآن لتشويش النظريات العنصرية للتاريخ.

وفي غضون نصف قرن بعد اغتيال لينكولن، بدأ مكتب الرئاسة يتخذ شكله الإمبراطوري الحديث. قام الرؤساء، بداية من ويليام ماكينلي، بتنظيم توسع الإمبراطورية الأمريكية التي أبطلت 'موافقة المحكومين' للشعوب في جميع أنحاء العالم. وفي الولايات المتحدة، نشروا الجيش لكسر الإضرابات ونشروا جواسيس الشرطة لمطاردة المعارضين المتطرفين.

أُنشىء مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) في عام 1908، وهو قوة شرطة محلية كان هدفها التأسيسي هو ملاحقة الاشتراكيين والعمال المتشددين. وفي عام 1947، أسس الرئيس هاري ترومان وكالة المخابرات المركزية وكلفها بتخريب الثورة في جميع أنحاء العالم. بحلول العقد السابع من القرن الماضي، كان بوسع الرئيس جونسون أن يقول إن سلفه، الرئيس كينيدي، أدار مع وكالة المخابرات المركزية 'شركة قتل لعينة' من البيت الأبيض. ويجلس الرئيس الأمريكي الآن على قمة جهاز قمعي مترامي الأطراف، مما دفع الرئيس أيزنهاور إلى التحذير في خطاب الوداع عام 1961، من أن

إن الاقتران بين مؤسسة عسكرية هائلة وصناعة أسلحة كبيرة هو أمر جديد في التجربة الأمريكية. إن التأثير الكلي، الاقتصادي والسياسي وحتى الروحي ن محسوس في كل مدينة، وكل مجلس ولاية، وكل مكتب من مكاتب الحكومة الفيدرالية. نحن ندرك الحاجة الملحة لهذا التطور. ومع ذلك، يجب ألا نفشل في فهم آثاره الخطيرة.

إن انحدار الرأسمالية الأميركية على مدى نصف قرن، الذي بدأ في العقد الثامن من القرن الماضي  و قادنا إلى الحاضر، كان تحت سيطرة النمو الخبيث لعدم المساواة الاجتماعية، الذي أصبح يتعارض على نحو متزايد مع أشكال الحكم الديمقراطي. أصبحت الرئاسة، في هذا الوقت، تلعب دورين مندمجين بشكل لا ينفصم. أولاً، باعتبارها قمرة القيادة للثورة المضادة الإمبريالية العالمية. وثانياً، باعتبارها مقراً للتآمر على حقوق الناس. خلال هذا الوقت، عملت 'الرئاسة الإمبراطورية' بشكل أكثر صراحة وقسوة.

لم يواجه الرئيس ريغان أي عقوبة على فضيحة إيران كونترا، حين نُفذتعملية تمويل سرية لفرق الموت في أمريكا الوسطى من البيت الأبيض في انتهاك لقانون الكونجرس. استحضر الرئيس جورج دبليو بوش 'نظرية السلطة التنفيذية الموحدة' لشن ما سُمي الحرب على الإرهاب، و زعمت إدارته أنها سمحت لها بتنظيم الاختفاء القسري للمشتبه بهم في معسكرات العمل الدولية لسجون التعذيب، بما في ذلك أبو غريب في العراق وخليج غوانتانامو في كوبا. أكد الرئيس أوباما في عام 2010 على حق الرئيس التنفيذي في تنفيذ اغتيالات للمواطنين الذين أعلن أنهم مقاتلون أعداء (وهي سابقة استشهدت بها بشكل إيجابي إيمي كوني باريت في رأيها المتوافق مع ترامب). وتفاخر الرئيس ترامب علانية في عام 2020 بإصدار أوامر بالاغتيال للمتظاهر الأمريكي مايكل رينوهل في بورتلاند بولاية أوريغون.

لقد وافقت المحاكم مراراً وتكراراً على توسيع سلطة الرئاسة. ولكن لم يحدث قط قبل صدور حكم يوم الاثنين أن شُن مثل هذا الهجوم الوقح على الدستور من قبل 'الهيئة الموقرة' التي يفترض أنها مكلفة بدعم الدستور.

لقد تم تجاوز خط بشكل لا يدع مجال للعودة. وفي ظل الظروف التي تسيطر فيها أقلية تتألف من ألف ملياردير على القسم الأعظم من ثروة المجتمع، تحكم المحكمة العليا الآن في واقع الأمر بأن الدكتاتورية الرئاسية ضرورية لتنفيذ سياسات الطبقة الحاكمة الأميركية أي الحرب والثورة الاجتماعية المضادة.

الدستور الأمريكي هو أقدم دستور مكتوب في العالم؛ الجمهورية الأمريكية أقدم جمهورية موجودة باستمرار في العالم. إنه تطور ذو مضامين ثورية هائلة أن تقوم الطبقة الحاكمة الأمريكية بتوجيه كرة هدم الصرح الذي حكمت منه منذ ما يقرب من 250 عاماً.

ومع ذلك، فبالرغم من أهمية الحكم الطبقي، وفق الوثائق التأسيسية للولايات المتحدة، أي إعلان الاستقلال، الذي يُحتفل به اليوم، وكذلك الدستور ووثيقة الحقوق، إلا أنه ن الأهم هو إنها ساهمت في إحداث تغيير عميق في النظام الطبقي وولدت  عقلية ديمقراطية راسخة في الطبقة العاملة الأمريكية. إن الدفاع عن الحقوق الديمقراطية الأساسية، المرتبط بشكل لا ينفصم بالنضال ضد الحرب الإمبريالية، يقع الآن على عاتق الطبقة العاملة. الطبقة العاملة فقط هي التي تمتلك المصلحة والوسائل للدفاع عن الديمقراطية.

قال البرلماني البريطاني إدموند بيرك عن الأميركيين في عام 1775 إنهم 'يخنقون نهج الاستبداد في كل نسيم ملوث'. اليوم، لا يأتي الطغيان مع النسائم، بل مع الرياح العاصفة. وبعد 250 عاماً، يتعين على العمال الأميركيين أن يعيدوا اكتشاف تقاليدهم الثورية.

كان النظام الجمهوري في الولايات المتحدة بمثابة الاستجابة التقدمية والثورية لقرون من الحرب الأهلية والصراع الديني الذي رافق صعود العالم الحديث في أوروبا. لقد أصبح ذلك ممكناً بفضل التطورات الاجتماعية والتكنولوجية غير العادية التي رافقت صعود الرأسمالية، و أذابت وصهرت 'في الهواء' الأشكال الاجتماعية لعالم العصور الوسطى.

يشهد العالم اليوم التغيير التكنولوجي الأكثر سرعة وتفجراً في تاريخ البشرية كله، مما يخلق الظروف الملائمة للقضاء على جميع المشاكل التي ابتليت بها البشرية منذ فجر التاريخ مثل عدم المساواة الاجتماعية، والقمع الطبقي، والحرب، والفقر، المرض، وجميع أشكال الهمجية الاجتماعية الأخرى. تستجيب الرأسمالية لهذه الاتجاهات الاجتماعية التقدمية والثورية من خلال 'تقيؤ الهمجية غير المهضومة' على مر العصور: فهي تؤكد على أن الحرب والدكتاتورية والموت الجماعي هي أعلى مبادئها.

إن مهمة الطبقة العاملة هي تحرير التغييرات التقدمية والثورية بشكل أساسي في بنية المجتمع من القيود التي فرضتها عليها الهمجية الرأسمالية. في الرابع من يوليو/تموز الحالي، أصبح من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن العمال هم الورثة الحقيقيون للثورة الأمريكية، وأن مهمتهم تتمثل في إعادة تأكيد الإعلان القائل بأن 'جميع الناس خلقوا متساوين' من خلال الثورة الاشتراكية.

Loading