العربية

إعادة تشكيل أمريكا اللاتينية من خلال الحرب الإمبريالية الجديدة

13 مايو 2024

ألقى توماس كاستانهيرا، العضو البارز في مجموعة المساواة الاشتراكية في البرازيل الكلمة التالية ، في التجمع الإلكتروني لعيد العمال العالمي 2024، الذي عقد يوم السبت 4 مايو.

نقيم حدث عيد العمال هذا عند نقطة تحول في الأزمة السياسية العالمية. لقد انزلقت البرجوازية الإمبريالية بالكامل في دوامة الحرب، وهي تجر العالم كله معها إلى الكارثة.

إن تطور هذه الحرب العالمية له تداعيات فورية ومتفجرة في أمريكا اللاتينية. فقبل عامين، في اجتماع عيد العمال لعام 2022 الذي نظمته اللجنة الدولية للأممية الرابعة، و خُصص لصياغة استراتيجية لمحاربة الحرب الإمبريالية، أعلنا أن 'حرباً عالمية جديدة ستضع بالضرورة أمريكا اللاتينية على خريطة الصراع على نطاق لا يضاهى مقارنة مع الحربين السابقتين.'

وقد وصل هذا التنبؤ إلى درجة هائلة من التحقق. لقد رُسمت بالفعل معالم خريطة الحرب في أمريكا اللاتينية. شكلت سلسلة من الأحداث التي وقعت الشهر الماضي قفزة نوعية في الهجوم الأمريكي ضد الصين وروسيا وإيران على أراضي أمريكا الجنوبية.

اعلنت عن هذا التصعيد العسكري الجنرال لورا ريتشاردسون، رئيسة القيادة الجنوبية للولايات المتحدة، في خطاب تحريضي أمام الكونجرس الأمريكي في مارس/آذار. وحذرت ريتشاردسون من أن روسيا، وخاصة الصين، 'تطالب بالوفرة في الغذاء والماء والمعادن الأرضية المهمة' الموجودة في أمريكا اللاتينية، وأوضحت أن هذا يمثل تحديا لا يطاق لواشنطن.

بالنسبة للإمبريالية الأمريكية، فإن الموارد الاستراتيجية في هذه المنطقة، التي يُنظر إليها تاريخياً على أنها 'الفناء الخلفي لأمريكا'، هي ملكها الشرعي. بُرر الصراع على هذه المصالح الحيوية للرأسمالية الأمريكية المتدهورة من خلال الدعاية الهستيرية المتزايدة ضد 'الأجندة الشريرة' لـ 'المنافسين الاستراتيجيين' لواشنطن. فالعمليات السلمية، مثل بناء الصين لميناء تجاري في بيرو، قُدمت بشكل احتيالي باعتبارها مناورات عسكرية مقنعة.

في بداية إبريل/نيسان، قامت ريتشاردسون برحلة حاسمة إلى أوشوايا، في جنوب الأرجنتين، حيث أعلن الرئيس الأرجنتيني الفاشي خافيير مايلي عن بناء قاعدة بحرية مشتركة مع الولايات المتحدة.

وتعتبر النقطة الجغرافية في جنوب المحيط الأطلسي 'نقطة اختناق عالمية واستراتيجية '. وثانيا بعد قناة بنما، طريقاً ضرورياً لنقل أطنان البضائع من أمريكا الجنوبية إلى آسيا.

وفي الوقت نفسه، افتتحت البحرية الأرجنتينية برنامج دوريات مشترك مع خفر السواحل الأميركي في البحار الأرجنتينية، بهدف ظاهري هو مواجهة وجود سفن الصيد الصينية السرية التي يُزعم إنها تهدد الأمن الإقليمي. وقد أرسلت واشنطن المدمرة USCGC James لهذا الغرض، الأمر الذي قد يؤدي إلى مواجهات مباشرة بين القوات المسلحة الأمريكية والسفن المدنية الصينية.

إن التحول المفاجئ في سياسة الأرجنتين الخارجية تجاه واشنطن وأهدافها الحربية ليس مجرد خيار سياسي لنظام مايلي الفاشي. بل تقوم على علاقات موضوعية أساسية بين الرأسمالية الوطنية في أمريكا اللاتينية والإمبريالية.

وفي البرازيل، التي يحكمها لولا من حزب العمال اليساري المفترض، تردد المؤسسة العسكرية على نحو متزايد الخطاب العدائي المؤيد للإمبريالية. وبدعم من حكومة لولا، قامت القوات المسلحة بدك الشعب البرازيلي بشكل منهجي بحملة دعائية تهدف إلى زيادة الميزانية العسكرية للبلاد.

وعلى غرار اتهامات حكومة مايلي، أطلق قائد البحرية البرازيلية تحذيرات علنية متكررة بشأن 'وجود قوى من خارج المنطقة في المحيط الاستراتيجي للبرازيل'، في إشارة إلى السفن الصينية، والحاجة إلى 'بناء عقلية دفاعية' بين القوات البرازيلية و السكان البرازيليين، أي إعدادهم للحرب.

وفي هذا السياق، وبعد ساعات من زيارة ريتشاردسون للأرجنتين في 4 أبريل/نيسان، أعلنت الولايات المتحدة نشر حاملة الطائرات النووية يو إس إس جورج واشنطن لإجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع دول أمريكا الجنوبية.

سيتم تدريب الأفراد العسكريين من الأرجنتين والبرازيل وتشيلي وكولومبيا وباراجواي والإكوادور وبيرو ومن دول الناتو على متن السفينة من قبل أساتذة من الكلية الحربية الأمريكية.

ومن الناحية الرمزية، سوف ترسو حاملة الطائرات في البرازيل وبيرو وتشيلي. والأخيرة، مثل الأرجنتين، تشكل ما يسمى بمثلث الليثيوم، الذي يحتوي على 60% من الاحتياطيات المعروفة من المعدن، وهو أمر بالغ الأهمية لإنتاج السيارات الكهربائية والأسلحة الحديثة.

أما الطرف الثالث للمثلث، بوليفيا، التي تمتلك أكبر احتياطي من الليثيوم على الكوكب، فهو خارج التدريبات. وقعت الدولة التي يحكمها لويس آرسي، من الحركة الاشتراكية (MAS)، عقوداً مع اتحادات شركات صينية وروسية لتعزيز استخراج هذا المعدن الاستراتيجي في الفترة المقبلة.

تتطور الحركات الجيوسياسية المتفجرة بسرعة في هذه الأماكن. وقد برزت المواجهات العسكرية المباشرة الوشيكة في المنطقة إلى الواجهة مؤخراً مع مطالبة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بالسيادة على منطقة إيسيكويبو الغنية بالنفط، التي أصبحت الآن تابعة لغويانا.

يتمتع النظام القومي البرجوازي بقيادة التشافيستا مادورو، المدعوم باحتياطيات النفط الهائلة في البلاد، بعلاقات تجارية وعسكرية استراتيجية مع الصين وروسيا وإيران، التي يستخدمها لموازنة ثقل الضغوط الإمبريالية.

أثارت مطالبة مادورو بشأن إيسيكويبو رد فعل هجومي موحد من قبل القوى الإمبريالية. ولتأكيد أسس سياستها الاستعمارية القديمة، أرسلت المملكة المتحدة سفنا حربية إلى المنطقة لكبح جماح مادورو.

و أرسلت حكومة لولا التي تلعب دور الوسيط الإقليمي للإمبريالية، وهو الدور الذي تلعبه بشكل علني أكثر فأكثر، قوات عسكرية إلى حدود البرازيل مع فنزويلا.

لقد استند الترسيم التاريخي لحدود فنزويلا وغويانا إلى معاهدات أشرفت عليها الإمبريالية، وهي بطبيعتها غير عادلة. وتم تحديد العشرات من الحدود الأخرى عبر أمريكا اللاتينية بطريقة مماثلة ويمكن أن تصبح بؤر اشتعال إقليمية للحرب.

لكن إعادة تقسيم هذه الأراضي من قبل الأنظمة القومية البرجوازية مثل نظام مادورو - على غرار غزو بوتين لأوكرانيا - لا يمكن أن تتخذ أدنى طابع ديمقراطي أو تقدمي.

إن المشاكل التي تواجه البشرية، مثل عدم المساواة الاجتماعية، واندلاع الحروب، والأوبئة، والكوارث الطبيعية، تضرب بجذورها مباشرة في عدم التوافق بين عالم منقسم إلى دول وطنية والطبيعة المتكاملة عالميا للاقتصاد والحياة الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين.

عندما وصلوا إلى السلطة في بداية القرن، دافع لولا وتشافيز وغيرهما من حكومات ما يسمى بالمد الوردي عن إمكانية التنمية الاقتصادية والاجتماعية الإقليمية من خلال اتحاد أمريكا اللاتينية البرجوازي، في انسجام مع الإمبريالية.

لقد انهارت هذه الأوهام الرجعية نهائياً. و انكشفت معها أوهام نظام جديد متعدد الأقطاب يحل محل الإمبريالية الأمريكية التي تمر بأزمات.

إن لولا، الذي اختاره اليسار الزائف الدولي باعتباره بطلاً مركزياً لهذا المنظور السياسي، يشكل نموذجاً للطابع الرجعي لـ 'التعددية القطبية'. وبينما يدين لولا نفاقا الإبادة الجماعية في غزة، فإنه يسعى بشدة للحصول على دعم القوى الإمبريالية، ويروج لشخصيات مثل ' جو الإبادة الجماعية بايدن' وإيمانويل ماكرون، اللذين يدعوان إلى إرسال قوات الناتو إلى أوكرانيا، كأبطال للديمقراطية والسلام.

في البلدان الإمبريالية والمتخلفة، لا يوجد بديل ممكن للطبقة العاملة داخل الدولة الوطنية البرجوازية وأنظمتها السياسية. تحت تأثير أزمة الرأسمالية والحرب، فإن الفئات الحاكمة في أمريكا اللاتينية --من الأحزاب الفاشية والجماعات العسكرية التي ظهرت في قلب السياسة في جميع بلدانها إلى الممثلين القدامى لـ 'اليسار' الرسمي-- كل ذلك يتقدم ضد الطبقة العاملة.

إن التجربة العالمية لجماهير أمريكا اللاتينية هي تجربة الفقر المتزايد وتدمير الوظائف، وتفكيك الهياكل الاجتماعية الأساسية، مما يؤدي إلى أوبئة مدمرة من حمى الضنك وأمراض أخرى، فضلا عن الأمية.

لكن في حين أن سطح الحياة السياسية، الذي تهيمن عليه البرجوازية، هو سطح رجعي متزايد، فإن الطبقة العاملة تتحرك سياسياً نحو اليسار، نحو الثورة الاشتراكية.

وهذا هو الحال حتى في البلدان التي تم انتُخبت فيها حكومات يمينية متطرفة مؤخراً. إن صعود مايلي في الأرجنتين، نتيجة لتشويه سمعة البيرونية بشكل عميق بعد سنوات من التعديلات الرأسمالية، كان مصحوباً بحركة متفجرة من الإضرابات والاحتجاجات، التي استمرت بلا هوادة.

إن المسألة السياسية الأساسية هي مسألة القيادة السياسية. لا يمكن في أي بلد اتخاذ خطوة سياسية إلى الأمام دون تعبئة الطبقة العاملة على أساس استراتيجية وممارسة أممية مباشرة.

ندعو الشباب والعمال في البرازيل وفي جميع بلدان أمريكا اللاتينية إلى بناء حزب المساواة الاشتراكية على أساس البرنامج والتوجيه الدولي للجنة الدولية للأممية الرابعة.

لا يجوز إضاعة الوقت.

Loading